التاريخ الميلادي

الثلاثاء، 22 فبراير 2022

وعد بلفور الكبير للاجئين والمهاجرين الزلط/النار في مصر والعالم

 ربطت الحكومة في مصر منذ نشأة الأمم المتحدة 1945 وجامعة الدول العربية في ذات السنة، مصر بترسانة من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والقارية، تحت مسمى (حقوق الإنسان وحقوق العمال المهاجرين وحقوق اللاجئين وحقوق الأقليات وحقوق المرأة وحقوق الطفل)، احتوت على مواد تخلق "حقوقا" غير شرعية وغير أصيلة للأجانب في مصر، في التجنيس وتملك الأراضي والعقارات والتوطين والزواج والعمل، والاحتفاظ بهوياتهم العرقية والدينية والمذهبية والطائفية واللغوية.

كارتون صحفي لروتشيلد يقدم مشروبه المهدئ لتماسيح النيل، رمزا لتقديم القروض إلى مصر، في 1885 بحجة مساعدتها على تجاوز تداعيات ثورة 1881 التي رفعت راية "مصر للمصريين"

والاتفاقيات الدولية تبدو كأنها نفس الكآس لإسقاط نفس الراية وإن قدمته الأمم المتحدة وبناتها كواجهة

 (مصدر الصورة: موقع عائلة روتشيلد www.rothschildarchive.org)

 ولم تراعِ هذه الاتفاقيات أبدا حقوق أبناء البلد وسيادتهم، ولا للهوية المعلومة لمصر كبلد صاحبة نسيج واحد وهوية واحدة، وليس بلد التعددية والصراعات العرقية والطائفية واللغوية.

وفي العموم، فإن الاتفاقيات الدولية تقدم موادا تبدو مغرية وجذابة، وتبدو حريصة على العدالة والمساواة بين البشر وإسعادهم، إلا أنه في وسطها يجري حشر مواد تُلزم الدول الموقعة عليها بتقديم "حقوق" مختلقة ومصطنعة خصيصا للأجانب على أرضها، تساويهم، بل تميزهم أحيانا، عن أبناء الوطن، وتخلق بداخل البلد أقليات وتجمعات بشرية مختلفة تماما عن طبيعة أهل البلد؛ ما يخلق في المستقبل الانقسامات والصراعات، ثم تتدخل الأمم المتحدة ومنظماتها إلى جانب هذه الأقليات المحشورة بحجة "حماية حقوق الإنسان والأقليات" ضد أهل البلد.

▼▼ تمكين الدخيل

فهي في مجملها يمكن تسميتها بأنها اتفاقيات "تمكين الأجانب على حساب أهل البلد وهويتها ووحدتها"، واتفاقيات "خلق الصراعات والانقسامات وتعدد الولاءات والاستقواء بالأجنبي".

 فما كان للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والقارية أن تجتمع لإقرار وحماية حقوق المواطنين في بلدهم، بل يبدو من نصوص الاتفاقيات، أن الدافع الأول هو خلق حقوق لغير المواطنين وللشاذين، وإن تدخلت لصالح مواطنين، ففي الغالب لتنصر جماعات بعينها ضد الدولة ككل، وتحول المجتمع لتكتلات وتحزبات تحارب بعضها، وتستقوي بالمنظمات العالمية والدول الأجنبية ضد بعضها، بحجة أنها "مضطهدة"، و"مستضعفة".

ونقدم هنا أمثلة من هذه الاتفاقيات، سواء الموقعة على مستوى الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية، والمواد الملغمة التي تحتويها، ووافقت الحكومة في مصر على معظمها، وهي التي انكتب بمدادها الدستور والقوانين المصرية، وهي التي تحكمها اليوم في إلزامها بقبول توطين وتمكين طوفان من الأجانب من كل عرق ودين وثقافة وقبيلة باسم لاجئين وأشقاء وقبول الآخر وتشجيع التعددية والاختلاف.

مع الإشارة إلى وجود كم كبير جدا من هذه الاتفاقيات، ولكن اخترنا أمثلة لعدم الإطالة.

▼▼اعتراف من روتشيلد حول وعد بلفور

  يعترف تقرير على موقع "أرشيف روتشيلد"، بأن "وعد بلفور" الشهير في 2 نوفمبر 1917 استخدم "لغة غامضة عن عمد" في صياغته الخاصة بإقامة "وطن" للمهاجرين اليهود في فلسطين.

 واستشهد في ذلك بأنه اختار مصطلح "الوطن القومي" في الحديث عن مستقبل اليهود، في حين لما تحدث عن حقوق الفلسطينيين استخدم مصطلح حقوقهم "المدنية والدينية" ولم يقل حقوقهم "القومية والسياسية"، بل وأشار لهم على أنهم فقط "مجتمعات غير يهودية موجودة في فلسطين"[1].

 وبذلك جعل بلفور، وروتشيلد الممول من ورائه، المهاجر اليهودي (المهاجر الزلط/النار) هو الأصل وصاحب الحق الأول، وأهل البلد المتأصلين فيها هم الهامش، وهم من يعيشون في كنف اليهود المهاجرين وليس العكس.

على شمال القارئ نص الاعتراف وعلى يمينه نص وعد بلفور بنفس الصيغة المنشورة على موقع روتشيلد  




 وعلَّقت وزارة الخارجية الإسرائيلية في تقرير على موقعها باللغة العربية احتفالا باليوبيل الذهبي لوعد بلفور، 2017، بأن فلسطين وقتها كانت "تشير إلى منطقة جغرافية فقط"[2].

 أي أن فلسطين بالنسبة لهم مجرد مساحة خالية من الأرض، وغنيمة للمهاجرين.

 والمتأمل في نصوص الاتفاقيات الخاصة باللاجئين والمهاجرين وتحديد الهويات والحقوق، يجدها تمشي على هذا الدرب حرفا بحرف، حتى لا نكون مبالغين إن قلنا إن حزمة هذه الاتفاقيات ما هي إلا "وعد بلفور كبير" لكل المهاجرين الناريين/الزلط في هذا العالم.

وبداية نشير لملاحظات عامة على هذه الاتفاقيات:

كلها تحتوى على مواد مغرية وجذابة، ذات طابع نبيل يطمئن الإنسان على نفسه أينما كان، ويتفق مع الشرائع الاجتماعية والدينية المشهود لها بالرحمة، مثل حفظ الكرامة ومنع التعذيب واحترام ديانات وثقافات الشعوب، إلا أنه وسط هذه المواد المغرية والنبيلة، يجري حشر مواد كالخلايا السرطانية التي تفسد الجسم السليم، وهي المواد التي تمثل عدوانا صارخا على السيادة الوطنية لكل بلد، وحق أهلها في حفظ هويتهم الاجتماعية والدينية والثقافية وحقوقهم المعنوية والمادية والتاريخية في بلدهم.

▼▼ تخليق كيانات انفصالية

هذه المواد تشمل خلق حقوق ليست أصيلة لفئات دخيلة على البلد، أو لثقافات دخيلة، وتخلق طوائف وتيارات ومذاهب أو ما يسمى بالأقليات المتنافرة مع السكان، ومنها ما يخص السماح لأصحاب الثقافات والمذاهب الأجنبية والأعراق الدخيلة بممارساتها بحرية وإنشاء كيانات خاصة بها؛ ما يعني تفخيخ السكان وخلق كيانات انفصالية.

أكثر هذه الاتفاقيات لوحظ أنها تهدف لتمكين الأجانب بإلزام الدولة منحهم الجنسية إذا أخذ صفة لاجئ، أو مهاجر، أو عديم الجنسية، وأن يُجنس أطفالهم بمجرد الميلاد في البلد المستضيف لهم إن لم يكن للأب جنسية، وتمكينهم من إظهار وفرض ونشر ثقافتهم العرقية والطائفية والدينية والأخلاقية الدخيلة، وتهدد الاتفاقيات أهل البلد بعقوبات إن رفضوا بتهم مصنوعة خصيصا لذلك، مثل تهمة كراهية الأجانب والتمييز العنصري.

أكثر هذه الاتفاقيات لوحظ أنها تتحدث عن "الحقوق" للأجانب وليس "الواجبات"، بل إن الواجبات لا تذكر إلا قليلا، أما الهدف الأساسي فهو منح، بل اختلاق، حقوق، لجماعات دخيلة تجعل لهم امتيازات فوق الجميع، حتى فوق الدولة وشرائعها الأصيلة، وتخلق بداخلهم شعور الاستقواء على الدولة بالاتفاقيات والمنظمات الدولية تحت اسم "الحماية الدولية".

كثير من هذه المواد مكررة تقريبا في معظم الاتفاقيات، سواء المتعلقة بحقوق الإنسان عامة أو منفردة كاتفاقية حقوق المرأة، واتفاقية حقوق اللاجئين، واتفاقية حقوق العمال المهاجرين، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقيات مكافحة التمييز العنصري؛ ما يعني نية "الإلحاح" على تطبيقها، بحيث أن الدولة التي لا توقع على اتفاقية ما، تلتزم بنفس المواد حين توقع على اتفاقية أخرى ترى فيها مصلحة لها في مجال معين، ولكن بها نفس أو معظم المواد التي في الاتفاقية الأخرى المرفوضة.

تشكل هذه الاتفاقيات ترسانة ضخمة من كل شكل ولون، فبداية من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" 1948 تفرعت منه غابة واسعة من الاتفاقيات حتى "الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة" 2018، بعضها ملزم للدولة الموقعة والآخر غير ملزم، ولكن لوحظ أن موادا ترد في اتفاقيات غير ملزمة، ثم نجدها هي هي ترد في اتفاقيات ملزمة، فتكون النتيجة أن الدولة عمليا تلتزم بالاثنتين.

وضمن هذه الترسانة، تم تفريخ نفس البنود ونفس الاتفاقيات على المستوى القاري والإقليمي، مثل أن توجد اتفاقية لحقوق اللاجئين والمهاجرين عالمية، وأخرى أفريقية، وأخرى عربية، وكذلك اتفاقية لحقوق المرأة أو حقوق الطفل- بما فيها المرأة والطفل الأجانب- عالمية، ثم يتفرخ عنها اتفاقيات لحقوق المرأة أو الطفل أفريقية وعربية، وهكذا، وكأن الهدف ملاحقة وتطويق الدول في كل مكان، فإذا أفلتت دولة من التوقيع على اتفاقية هنا، تلتزم باتفاقية هناك، وكلها تحقق نفس الغرض لأن موادها متشابهة.

 ▼▼ المحاكمة الدولية

إضافة لما يُلاحظ من عدوان مواد هذه الاتفاقيات على السيادة الوطنية وحقوق أولاد البلد الحصرية في بلدهم، فإنها أيضا تشترك في عدوان آخر على السيادة الوطنية وحرية واستقلال كل دولة، وهو تعريض الدولة العضو، في بعض الاتفاقيات الملزمة، إلى المحاكمة الدولية، والمساءلة على يد جهات أجنبية في أمور هي من صلب سيادة وشرف الدولة، مثل أمور تخص دين الدولة، والجنسية، والملكية، والهوية اللغوية والثقافية، وخطط التنمية، وشروط التمويل الأجنبي، ومكافحة الاحتلال والمطامع الأجنبية، كما سنرى.

تصميم مبنى الأمم المتحدة الخالي من أي هوية أو روح، ويشبه لوح الثلج أو قالب الطوب، يعكس ما تريده الاتفاقيات الدولية من مسح لهويات وخصوصيات الدول، وصورتها الحضارية التي تميزها عن بقية الدول. (مصدر الصورة: موقع الأمم المتحدة)


 ❽
تتعامل هذه الاتفاقيات مع الدولة على أنها مجرد مساحة من الأرض، مفتوحة ومباحة لكل العالم، ليس لها أصحاب حصريين، ويحق لأي أجنبي أن يدخل ويشارك أهلها في ثرواتها وميراث أجدادهم، وأن يفرض عليهم هويته وثقافته ولغته واختياراته في الحياة، وانتماءه الأجنبي، تحت اسم "التعددية والتنوع وقبول الآخر".

 وبسبب الحماية الدولية التي توفرها الاتفاقيات للأجنبي، وللمجنس الذي يدرج نفسه تحت اسم "أقليات"، وبسبب نص بعضها على محاكمة البلد المقيم فيها في محاكم دولية إن لم تنفذ له ما يريد مما صنعته له الاتفاقيات، فإنه يعيش بروح الاستقواء، وهو شاعر أنه فوق أبناء البلد وحكومتها، ويحصل على امتيازات وحقوق مصطنعة توفر له مستوى حياة أفضل من معظم أبناء البلد، كأنه احتلال مقنع، أو نسبة للأمم المتحدة يمكن أن يوصف بـ"الاحتلال الأممي".

▼▼ عودة الامتيازات الأجنبية

تبدو الاتفاقيات أنها وسيلة لأن تتشكل تكتلات أجنبية تصبح "مسمار جحا" للتدخل الأجنبي في أي وقت ضد الدولة بحجة حماية "الأقليات" و"حقوق الإنسان واللاجئين والمهاجرين"، وسلاح لابتزازها في أي مفاوضات سياسية أو اقتصادية.

وفي المجمل، تعيد هذه الاتفاقيات- واللهجة الحادة التي تتبعها في محاسبة الدول الموقعة عليها- إلى الأذهان ذكرى "الامتيازات الأجنبية" التي عانت منها الدول حين قاست مرارات الاحتلال الأجنبي في القرون الماضية، ومصر بشكل خاص، التي تجرع أهلها مرارات فوق كل احتمال، ومذلة يذوب لها الحجر في ظل "الامتيازات الأجنبية" التي ورد بعضها في اتفاقيات بين المحتل العثماني ودول أوروبية، يُخصص فيها امتيازات عليا للأجانب كالإيطاليين والإنجليز والفرنسيين ومن التحق برعوية قنصلياتهم كاليونانيين واليهود والشوام والمغاربة، هذا بخلاف الامتيازات الخاصة بالأتراك أنفسهم ومن تبعهم.

وجعلت هذه الامتيازات هؤلاء الدخلاء طبقة عليا لها كل الحقوق والثروة والمناصب، ولا تخضع للمحاسبة والعقاب، ولهم كل الحق في التفاخر بأنسابهم وثقافتهم الأجنبية، فيما جعلت المصريين أولاد البلد طبقة دنيا منزوعة كل الحقوق، ويؤخذ منها كل الفروض، وخاضعين طوال الوقت للمحاسبة والعقاب على أقل هفوة، أو حتى إذا رفعوا راية أجدادهم وهتفوا "مصر للمصريين"، وتفاخروا بهويتهم، ولا يصل أحد من أبنائها لثروة أو منصب عالي إلا بشق الأنفس وبعد ثورات دامية، أو إذا قبل على نفسه الخضوع التام للمحتل.

 وذلك حتى نجح الثوار المصريون على مدى أجيال، بداية من ثورة 1881 أيام أحمد عرابي، ثم كفاح جيل مصطفى كامل ومحمد فريد، ثم ثورة 1919 ثم انتفاضة 1935 وما تلاها، والتي كان إلغاء "الامتيازات الأجنبية" هدفا أصيلا فيها كلها، في إجبار المحتل على إلغاء اتفاقيات "الامتيازات الأجنبية"- التي كانت موقعة بين محتل ومحتل! أي بين الدولة العثمانية والقناصل الأوروبية في سنة 1949، ثم استكملت ثورة 1952 إلغاء ترسانة أخرى من الامتيازات كانت خارج الاتفاقيات بالتأميم والتمصير وتوحيد القضاء إلخ.

 فهل نعيد هذه المذلة (الامتيازات الأجنبية) لبلدنا، بعد كفاح الأجداد الدامي هذا، بأيدينا مرة أخرى ونحن في كامل حريتنا واستقلالنا بسلاح القانون الدولي، أو حتى المحلي، بعد أن كانت تُفرض علينا بسلاح المحتلين؟

 سبق أن عبَّر الأديب نجيب محفوظ عن حال المصريين وقت "الامتيازات الأجنبية" في عصور الاحتلال قبل 1952 بقوله في روايته "خان الخليلي":

"ألا تعلم أن رعاع الغزاة انتهبوا في الماضي أراضينا بحكم الغزو؟ وها هم أولاء يكونون طبقة عالية ممتعة بالجاه والسؤدد والامتيازات لا حصر لها"[[3]].

ويبدو- إن استمر تدفق وغزو الملايين من الأغراب باسم لاجئين ومهاجرين على مصر الآن، متمتعين بما توفره لهم الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها الحكومة، أن هذه العبارة التي تتحسر على حالنا ستكون:

"ألا تعلم أن رعاع الغزاة انتهبوا في الماضي أراضينا بحكم اللجوء والتجنيس والتوطين؟ وها هم أولاء يكونون طبقة عالية ممتعة بالجاه والسؤدد والامتيازات لا حصر لها".

ولنبدأ الجولة في أمثلة من ترسانة هذه الاتفاقيات.

 المقالة مأخوذة من كتاب:

"الاغتيال الكبير.. وثائق اغتيال الدولة الوطنية في وثائق الأمم المتحدة وبناتها، مع مقارنة بين الامتيازات الأجنبية في مصر قبل 1952 والامتيازات العائدة بالاتفاقيات الدولية" 

تحميل الكتاب:

من هنا أو هنا

مقالات ذات صلة:

 
 

المراجع:


[2]- سنوات اليوبيل 2017-2018، 1917: وعد بلفور، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، غير مؤرخ

https://mfa.gov.il/MFAAR/InformationaboutIsrael/Jubilee-years/Pages/Balfour-Declaration.aspx

[[3]]- خان الخليلي، نجيب محفوظ، مكتبة مصر، ط 6، القاهرة، (غير مؤرخ)، ص 62

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version