التاريخ الميلادي

الخميس، 26 سبتمبر 2019

إمتى اتقالت أول مرة في تاريخ مصر: "عودو لثكناتكم"؟

إفتكار البنداري السيد
(نفرتاري أحمس)

"عودوا لثكناتكم" ...

أول كلمة اتقالت للجيش المصري بعد ما انفض اعتصام الـ 18 يوم في ميدان التحرير سنة 2011
وكان الغريب إن نفس اللي قالوها هما اللي قالو قبل الـ 18 يوم وهما بيستنجدو بالجيش عشان يساعدهم في شيل الريس حسني مبارك "واحد اتنين الجيش المصري فين"، وبعد ما نزل شجعوه وقالو :"الجيش والشعب إيد واحدة".

 وبعد ما انفض الاعتصام، وفي عز ما الفوضى لسة شغالة، ويدوب الجيش أعلن إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هيتولى "إدارة البلاد" لكذا شهر لحد ما تتعمل الانتخابات.. إلا وطلع هتاف: "عودوا لثكناتكم"..
وبعدها طلع هتاف: "يسقط حكم العسكر".. وكان الهتاف ده في يوم الجمعة 9-9- 2011


وجه هتاف "عودوا لثكناتكم" و"يسقط حكم العسكر في 2011 على لسان حركات "الاشتراكيين الثوريين" (حركة ماركسية)، وحركة 6 أبريل، وغيرها من حركات كانت بتقول إن هدفها إعلان "الحكم المدني" في مصر، مدعومين بنفوذ وتمويل وإعلام عدد من رجال الأعمال أصحاب المصلحة في إنهم يكونو المسيطرين على الثروة والسلطة في مصر، على نمط "الإقطاعيين" قبل ثورة 1952


ومعلوم إن من أهداف "الاشتراكيين الثوريين" ضم مصر إلى مشروع ما يسمى بالدولة الاشتراكية العالمية (إمبراطورية شيوعية)، وهدف حركات زي 6 أبريل وغيرها ضم مصر بشكل مفتوح إلى فلك العولمة ضمن ما يسمى بـ (الحكومة العالمية الواحدة)


وتأخر تنظيم الإخوان الدولي في الضم على الحركات دي لأنه كان خايف من الصدام مع الجيش، وكان يهمه تهدي الأمور لحد ما يكسب انتخابات البرلمان وبعده الرياسة وبعدها...يزيل الجيش المصري نفسه و"يعيد هيكلته" حسب تعبير بعض كوادرها زي عبد المجيد الشاذلي، وتأسس جيش وداخلية حسب مقاييس تنظيم الإخوان واللي وراه.


أما لما اختبر الشعب المصري مرارة حكم تنظيم الإخوان واكتشف أهدافه وأسقطه، ضم التنظيم لهتاف "عودوا لثكناتكم"، و"يسقط حكم العسكر" بداية من 2013....وهدفه تفكيك الجيش المصري  وكل مؤسسات الدولة، وتفريغها من المصريين الحقيقيين، وتعبيتها بأتباع تنظيم الإخوان سوا من مصر أو أجانب...وتحويل مصر إلى "ولاية" في الخلافة الإسلامية الإخوانية المزعومة...

فإمتى اتقال الهتاف ده للجيش المصري لأول مرة.. وكان هدف اللي قاله يختلف، ولا هو هو؟ تحويل مصر إلى مجرد "ولاية"، يسيطر عليها من جوة الأجانب، وتتبع خلافة أو إمبراطورية برانية؟

في يوم الجمعة 9-9- 1881 وبداية من الساعة 9 بالليل.. أشرقت مصر- رغم الليل- بنور كانت مستنياه في شوق طويل ليها مئات السنين.. وهو نور ثورة يقودها أولادها الفلاحين، يهبو في وش حاكمينهم المحتلين، يقولولهم: "مصر للمصريين"


في الليلة السعيدة دي راح عرابي وقادة ثورة 1881 راكبين الحصنة ورافعين سيوفهم يقودوا الآلاف من الظباط والجنود إلى ساحة عابدين، عشان يقدمو للخديوي توفيق (الوالي العثمانلي) طلبات الأمة، بعد ما الفلاحين بعتو جوابات التفويض والتوقيعات لأحمد عرابي يفوضوه يتكلم قصاد الخديوي باسمهم

عرابي وسط الفلاحين
أول تفويض شعبي لزعيم مصري في العصر الحديث

سليمان الحلبي... ضحى عشان مصر ولا عشان أبوه؟


اللي يتابع خط كتابة التاريخ في الـ 120 سنة اللي فاتو، يلاحظ إنه يوازيها خط لـ "إعادة كتابة التاريخ" يحمل مصر والمصريين "أفضال" من الأجانب سوا كانوا الغزاة العسكريين أو المستوطنين تحت رعاية الاحتلال، أو حتى أحيانا الزوار.

سليمان الحلبي وكليبر
سليمان الحلبي وكليبر (مصدر الصورة موقع جرنان المصري اليوم)

فكل احتلال (يوناني، روماني، عربي، عبيدي "فاطمي"، أيوبي، مملوكي، عثمانلي، إنجليزي، فرنساوي، إنجليزي، إسرائيلي، إخواني) بيتقدم على إنه "صاحب فضل" عليها.

والمستوطنين أو الجاليات الأجنبية تحت رعاية الاحتلال (من كل الأجناس في كل عصر احتلال) برضو "صحاب فضل" عليها.

ويتذكر "أفضال" المحتلين والمستوطنين دايما أكتر بكتير من كفاح وإنجازات وتضحيات أهل البلد نفسهم، وهما الفلاحين، والفلاحين هنا مقصود بيهم المصريين الحقيقيين اللي مش محسوبين على الاحتلال ولا المستوطنين التابعين ليه، اللي ما يعرفوش ليهم أصل إلا أرض مصر، أو اتبروا من أي أصل أجنبي وبقو برضو ما ينسبوش نفسهم لأي أصل أجنبي إلا أرض مصر، سوا اشتغلو مزارعين أو حرفيين أو مشايخ أو معلمين أو أيا ما كان.

ويتلاحظ إن الخط ده- خط تلميع الأجانب الغزاة (وبلغة الأجداد الهكسوس)- اتبناه في الـ 120 سنة اللي فاتو- ولحد دلوقت طبعا- مجموعة من الدول اللي احتلت مصر قبل كدة بهدف تبييض وتبرير الاحتلال وكسر حدة كراهية المصريين ليها.


واتبنته تنظيمات عالمية زي تنظيم الإخوان المسلمين والسلفيين لتبرير احتلال مصر باسم الإسلام وكسب تأييد المصريين لمشروع الخلافة الإسلامية الجديدة، فلمعت وبيضت الناس دي كل غزو واستيطان عربي أو من مسلمين لمصر بالتركيز على اللي شايفاها محاسن والطرمخة على الجرايم، وفوق ده اختراع وفبركة محاسن مش موجودة أصلا.

نفس الموضوع مشيت فيه تنظيمات زي الشيوعية لتحسين وتبييض سمعة المستوطنين اليونان والإيطاليين واليهود اللي نشرو الشيوعية في مصر في النص الأولاني من القرن 20، وتنظيمات ليبرالية عولمية لتحسين وتبييض صورة الجاليات الأجنبية في مصر تحت اسم "قبول الآخر" و"التنوع الثقافي"، و"التسامح"، و"نقل الحضارة"، إلخ

كمان الشعوب اللي كان ليها مستوطنين في مصر تحت رعاية الاحتلال بتلمع في أي شخصية تابعة ليها كانت موجودة في مصر، برضو لمسح أي مرارة جوة المصريين من دور المستوطنين دول في نهب المصريين وإذلالهم، او مساعدة المحتلين، زي ما بيعمل الشوام واليهود والأرمن واليونانيين والإيطاليين وقبايل عربية إلخ لتقديم وجودهم القديم في مصر على إنه بدونهم كانت مصر مش هتكون موجودة ولا متحضرة إلخ.


غسل سمعة الاحتلال والمستوطنين الأجانب


وبجنب "تلميع" و"تبييض"، أو بالبلدي الفصيح "غسل سمعة" الغزاة والمستوطنين الأجانب القدام، فمن أسباب تقديمهم على إنهم "صحاب فضل" على مصر هو توسيع الطريق إنهم يرجعو لاحتلال واستيطان مصر تاني، من بوابة الرجوع للإقامة فيها باسم لاجئ أو مستثمر أو بوابة الجواز، أو شد المصريين لتنظيماتهم العالمية، وقصاد أي مقاومة مصرية لده، يطلعو كتب متسجل فيها "أفضال" و"إنجازات" المحتلين والمستوطنين السابقين ويقولك افتكر إنهم عملو لمصر زمان كذا وكذا، وراجعين يساعدو في بنا مصر من جديد عشان هما بيحبو مصر قوي.


ومثالنا في المقالة دي هو السوريين وسليمان الحلبي، فوسط كترة أعداد الأجانب اللي دخلو مصر بالملايين بعد 2011، سوريين وأفارقة ويمنيين وليبيين وهنود وكوريين وماليزيين إلخ، باسم لاجئ أو عامل أو تاجر أو جواز، وقلق المصريين على مستقبل بلدهم من استيطان الأعراق والطوايف دي في مصر، فإن السوريين مثلا دايما يرفعو في وش المصريين كروت زي "افتكرو سليمان الحلبي اللي ضحى بنفسه عشان يخلص مصر من الفرنساويين"، أو "افتكرو وقفة السوريين مع مصر في العدوان الثلاثي"، أو "افتكرو كنا بلد واحدة 3 سنين"، إلخ
المقدمة دي لازمة كتابتها عشان نعرف السبب ورا تقديم سليمان الحلبي كأنه بطل قومي للمصريين وللإسلام، ومين اللي قدمه بالصفة دي، وهو كان بطل للمصريين حقيقي ولا مكنش في باله مصر من الأساس وهو بيقتل جنرال الفرنسيس كليبر وقت الاحتلال الفرنساوي لمصر.

في وسط الزحمة في كتب التاريخ والآراء اللي عكس بعضها، فأول خطوة عشان نقرب من الحقيقة هي إننا نروح لـ"المنبع".. يعني للكتب والوثايق اللي اتكتبت وقت اللي حصل، أو وقت حياة الشخصية اللي بنتكلم عنها، وبعد كدة نشوف السمعة اللي واخداها دلوقت اترسمت إزاي.


وأول وأشهر كتاب نشر حكاية سليمان الحلبي هو كتاب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي "عجايب الآثار في تراجم الأخبار"، وكتبه كمؤرخ وكشاهد عيان، لأنه حضر الغزو الفرنساوي ووقت محاكمة سليمان الحلبي، وفي الكتاب نشر الجبرتي النص الكامل لوثايق المحاكمة الفرنسية، والأقوال الكاملة لسليمان الحلبي والمتهمين الأربعة اللي معاه.

نص اعترافات سليمان الحلبي


ففي 14 يونيو 1800 قتل شاب من حلب اشتهر بسليمان الحلبي الجنرال كليبر بطعنات في قلبه بعد ما اتسلله وطعنه وهو بيتمشى في جنينة البيت اللي قاعد فيه، وحكم عليه الفرنسيس بأحكام بشعة زي حرق إيده اليمين وقتله على الخازوق، وإنه تتساب جتته ياكلها الطير.




أما عن السبب اللي خلى الحلبي يعمل ده فينقل الجبرتي عن أوراق المحاكمة إن سليمان كان عاش في مصر 3 سنين، ورجع لحلب، وبعد فترة رجعلها وإدارى وسط المجاورين في الأزهر لمدة شهر يرتب لعملية القتل بعد اتفاقه على ده مع أغاوات الجيش العثمانلي اللي هرب للشام بعد هزيمته قصاد الفرنسيس في معركة عين شمس، ومنهم أحمد وياسين أغا، وعن السبب خلاهم اتفقو إنه ييجي من الشام لمصر عشان يقتل ساري عسكر الفرنسيس قال في المحاكمة بالنص:


انسال ]انسأل[ كم يوم له في مدينة مصر؟
فجاوب: أنه له واحد وثلاثين يومًا، وأنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين.
انسال لأي سبب حضر من غزة؟
فجاوب: لأجل أن يقتل ساري عسكر العام.
انسال من الذي أرسله لأجل أن يفعل هذا الأمر؟
فجاوب: أنه أرسل من طرف أغات الينكجرية ]أغاوات من الجيش العثمانلي[، وأنه حين رجع عساكر العثملي من مصر إلى بر الشام أرسلوا إلى حلب بطلب شخص يكون قادرًا على قتل ساري عسكر العام الفرنساوي، ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة أن يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم، ولأجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا.

وكانت دي أول أقوال لسليمان الحلبي، وفي مرة تانية للتحقيق كانت الأسئلة والإجابات فيها تفاصيل أكتر للحكاية، ووردت بالنص:

سال المذكور ]سليمان الحلبي[ عن قصة ساري عسكر؟
فجاوب: أنه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان، وأنه كان راكب هجين وبحيث إن القافلة كانت خايفة أن تنزل بمصر توجهت إلى ريف يسمى الغيطة في ناحية الألفية، وهناك استكرى حمارًا من واحد فلاح، وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار.

ثم إن أحمد أغا وياسين أغا من أغوات الينكجرية بحلب وكَّلوه في قتل ساري عسكر العام بسبب أنه يعرف مصر طيب، بحيث إنه سكن فيها سابق ثلاث سنوات، وأنهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الأزهر وأن لا يعطي سره لأحد كليًّا؛ بل يوعى لروحه ويكسب الفرصة في قضا شغله؛ لأنها دعوة تحب السر والنباهة، ثم يعمل كل جهده حتى يقتل ساري عسكر.

لكن حين وصل إلى مصر التزم يسارر الأربعة مشايخ الذين أخبر عنهم؛ لأنه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنوه في الجامع، أنه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الأمر، وأن المشايخ المذكورين قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم إنه ما يقدر عليه، وهو ما دعاهم لمساعدته لأنه كان يعرفهم بلديين.

وأن اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل ساري عسكر قابل أحدهم الذي هو محمد الغزي، فعرفه أن مقصوده أن يتوجه إلى الجيزة ليفعل مراده، ثم إنه مضى وحده ليفعل هذا الغدر.
وأن تخمينه أنه مثل المجنون من حين أراد أن يقضي هذا الأمر؛ لأنه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الأمر.

وأن الأوراق الذين وضعهم في الجامع هم بعض آيات من القرآن؛ لأنه عوايد الكتبة أولاد العرب يوضعوا ذلك في الجامع.

وأنه ما أخذ دراهم من أحد في مصر؛ لأن الأغوات كانوا أعطوا له كفايته.

وأن الأفندي الذي كان يروح يقرا عنده يسمى مصطفى أفندي، وكان يقرا عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة، ولكن ما أخبره بسر خوفًا أن ينشهر.

وأما من قبل الأربعة مشايخ المذكورين صحيح أنه كان قال لهم كل شي؛ لأنهم من أولاد بلاده ثم حقق لهم أنه ناوي أن يغازي في سبيل الله.

انسال أين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتدا شهر جرمنيال (مارس) الموافق لشهر الإسلام ذي القعدة؟

فجاوب: أنه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير أخذ العريش.

انسال أين شاف أحمد أغا الذي يقول إنه عرض عليه مادة قتل ساري عسكر، وفي أي يوم قال له ذلك؟

فجاوب: أنه حين انكسر الوزير رجع إلى العريش وغزة في أواخر شهر شوال أو في أوايل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي، وأن أحمد أغا المذكور هو من جملة أغوات الوزير، ولكن كان رسم عليه في غزة من حين أخذ العريش، وحين رجع أرسله إلى القدس في بيت المتسلم، ثم إنه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من إبراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم أباه الذي يسمى الحاج محمد أمين بياع سمن وحططوه غرامات زايدة، ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام، ثم وقع في عرضه بشأن ذلك.
ثم إنه رجع عند أحمد أغا ثاني يوم وأن الأغا وقتها قال له إنه محب إبراهيم باشا، وأنه ما يقصر ويوصيه في راحة أبيه، ولكن بشرط أنه يروح يقتل أمير الجيوش الفرنساوية.

ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه أيضًا هذا السؤال، وحالًا أرسله إلى ياسين أغا في غزة لأجل أن يعطي له مصروفه.

وأنه من بعد هذا الكلام بأربعة أيام سافر من القدس إلى الخليل، وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من أحمد أغا، وأما أحمد أغا المذكور كان أرسل خدامًا إلى غزة لأجل يخبر ياسين أغا بالذي اتفقوا عليه.

انسال كام يوم قعد في الخليل؟

فجاوب: عشرين يومًا.

انسال لأي سبب قعد عشرين يومًا في الخليل، وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الاثنين الأغوات؟

فجاوب: أن السكة كانت ملآنة عرب وأنه خايف منهم، فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها، وأنه كان في غزة في أواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي.

انسال إيش عمل في غزة وإيش قال له ياسين أغا؟

فجاوب: أن ثاني يوم وصوله راح شاف الأغا، والمذكور قال له إنه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره، هذا وأنه أسكنه في الجامع الكبير، وهناك أمرار عديدة كان يروح يشوفه ليلًا ونهارًا، ويتحدث معه في هذا الأمر ووعده أنه يرفع الغرايم عن أبيه، وأنه دايمًا يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه، ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح أعلاه، وهذا صار سرًّا بينهم، ثم أعطى له أربعين قرشًا لمصروف السفر، وبعد عشرة أيام سافر من غزة راكبًا هجينًا ووصل هنا بعد ستة أيام كما عرف سابقًا، وأن سفره من غزة كان في أوايل شهر ذي الحجة الموافق لنصف شهر فلوريال الفرنساوي، فبقى باين أنه حين غدر ساري عسكر كان له واحد وثلاثون يومًا في مدينة مصر.

انسال هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به ساري عسكر؟

فجاوب: نعم يعرفه، وأن هذا هو بداية الذي قتل به ساري عسكر.

انسال من أين أحضر هذا الخنجر؟ وهل أحد من الأغوات أعطاه له أم أحد خلافهم؟

فجاوب: أنه ما أحد أعطاه له، وإنما بحيث إنه كان قاصد قتل ساري عسكر توجه إلى سوق غزة واشترى أول سلاح شافه.

انسال هل أن أحمد أغا أو ياسين أغا ما حدثاه أصلاه عن الوزير، وعشموه بشي من طرفه إن كان يقدر يقتل ساري عسكر؟

فجاوب: لا بل أنهم ذاتهم وعدوه أنهم يساعدوه في كل ما يلزمه إن كان يخرج هذا الشي من يده.([1])
وبحسب نصيحة الأغا ما قالش سليمان حلبي- حسب شهادته وشهادات زمايله في المحاكمة محمد وعبد القادر وعبد الله الغزي وأحمد الوالي- إن اللي بعته الأغوات العثمانلية والتمن إنه يرفع ظلم إبراهيم أغا عن أبوه وياخد فلوس، لكن قالهم إنه جاي "غازي" في سبيل الله عشان يقتل "نصراني"، و"الكفار"

ويمكن اختلط معاه الهدف ده حقيقي مع هدف تخفيف الضرايب عن أبوه وتحسين معيشتهم، عشان يكسب دنيا ودين، لكن الأكيد إن هدفه الأول، واللي خلاه يعرض نفسه للأغوات عشان يغامر بالسفر الطويل وبحياته ويقتل ساري عسكر الفرنسيس مكنش مجرد سبيل الله بقتل "النصارى والكفار" بحسب كلامه، لأن الشام نفسها فيها "نصارى وكفار"، بخلاف إنه كان فيها الفرنسيس قبل كدة في حملة نابليون على الشام.

الأهم إنه في كل كلام سليمان الحلبي وزمايله في وثايق المحاكمة، وكل كلام الجبرتي وشهادته، وكل كلام الفرنسيس، ما وردش أبدا الكلام عن مصر والمصريين، بمعنى ما وردش إن الحلبي غامر بنفسه وجه مصر عشان ينقذ مصر من الاحتلال الفرنسي، ولا لأن قلبه وجعه على الفلاحين اللي بيتحرقو ويندبحو وتتنهب محاصيلهم، وتتدمر قراهم، ويغتصب الفرنسيس بناتهم قصاد عينيهم ويتقتل الأب والأخ قصاد بنتهم وهما بيدافعو عنها، إلخ

يعني مصر والمصريين مكنوش نهائيا في حساب الحلبي، وفوق ده لو كان الأغوات العثمانلية قالوله إن تمن تحسين معيشة عيلته وتخفيف الضرايب عنها هو قتل مصريين مكنش يمكن يتردد.

وفوق ده لو الفلاحين (وهو التعبير اللي بيتقال على المصريين الحقيقيين وقتها) كانو عملو ثورة ضد الاحتلال والاستيطان الشامي والمغربي والعثمانلي إلخ في مصر، هل سليمان الحلبي كان هيكون مع المحتلين والمستوطنين ولا مع المقاومة المصرية؟

الجواب معلوم

فعلى أي أساس يتقدم على إنه بطل قومي للمصريين في الإعلام والتعليم، وفوق ده يبقى كارت يبتز بيه الشوام وتنظيم الإخوان وغيرهم المصريين دلوقت عشان يقبلو إن الاستيطان والاحتلال الأجنبي، من الشوام وغير الشوام، يرجع مصر تاني؟


مين ورا صناعة أسطورة سليمان الحلبي؟


طيب إيه أو مين اللي قدم الحلبي بطل قومي للمصريين؟ وخفى عنهم السبب الحقيقي ورا قتله لكليبر؟

الإجابة تبدأ مع بداية صناعة وغزل ونسج تيار القومية العربية في الشام على إيدين إبراهيم البستاني وناصيف اليازجي وفارس نمر وغيرهم فيما بعد زي ساطع الحصري تحت رعاية الإرساليات البروتستانتية الأمريكية وبريطانيا لتوحيد الشوام ضد الاحتلال العثمانلي، وتجميعهم تحت راية الوصاية البريطانية، وكان التركيز على العروبة و"أمجاد" و"أبطال" العرب مدخل لده، وسبب في "إعادة كتابة التاريخ" للتركيز على الحسن في تاريخ العرب، وتلميع وتبييض القبيح منه، وتقديم شخصيات عادية على إنهم "أبطال العرب".


 وفيما يخص مصر زاد الموضوع لما اتنقلت معظم الشخصيات دي لمصر في اللي اتشهر باسم "هجرة الشوام" لمصر في نهاية القرن 19 لما استدعاهم الخديوي إسماعيل وبعده الإنجليز عشان يستلمو الصحافة والثقافة ووظايف حكومية، علشان يشكلو هما الرأي العام، ويتحكمو فيه، ويكونو عون ليهم ضد المقاومة المصرية، وضد مبدأ "مصر للمصريين" اللي رفعته ثورة 1881 أيام عرابي وبعده ثورة 1919، وابتدا في الوقت ده تليمع كل ما هو شامي تحت اسم "القومية العربية"، و"الأشقاء"([2]).

ولما انتشر في مصر فكرجماعات السلفيين وتنظيم الإخوان المسلمين على إيدين الشوام برضو محب الدين الخطيب ورشيد رضا وغيرهم، طلعو كتب تعيد كتابة التاريخ، لكن تسمي الشخصيات المطلوب تقديمها كأبطال بإنهم "أبطال الإسلام" ضد الكفار بدل من كلمة "أبطال العرب" بس.

وكامتداد للفكر ده دلوقت نشوف مثال من موقع تابع لفكر الخلافة الإسلامية والسلفيين هو "طريق الإسلام" على الإنترنت، نشر مقالة في 1- 8- 2019 بعنوان "مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ - سليمان الحلبي".


بدأ بتمجيد الشام بحديث (معرفش تخريجه) يقول "ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام" "ألا إن عقر دار المؤمنين الشام"، وبعدها بدأ بالأوصاف دي: "نتحول الآن إلى عظيمٍ من عظماء بلاد الشام المباركة، مع شابٍ عظيمٍ ضحى بزهرة شبابه في سبيل الإسلام".

وعن سبب قتل كليبر قال الموقع: "فلقد تطوع أبناء الشام الإسلامي في صفوف المقاومة الشعبية المصرية، وكان من بينهم الأبطال شابٌ كردي من مدينة "حلب" قتل الصليبيون الفرنسيون أستاذه الشيخ المصري المجاهد (الشرقاوي)، ودنسّوا الجامع الأزهر بخيولهم أمام ناظريه، فامتلأ صدر هذا الشاب الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره غلًا على أولئك القتلة المجرمين، فقرر أن ينفذ عملية فدائية نوعية، تتطلب منه أن يضحي بروحه لإنجاحها! كان اسم هذا الشاب (سليمان الحلبي)، هذا الشاب الكردي البطل قرر اقتحام القصر العسكري والهجوم على مركز قيادة الجيش الفرنسي بمفرده في عملية معقدة يقتل في نهايتها القائد العام للقوات الغازية الصليبية، وفعلًا نفذ سليمان الحلبي هذه العملية الفدائية بكل نجاح، وخلص المسلمين والإنسانية من شر مجرم حرب اسمه (جين بابتسه كليبر)"([3]).

وواضح إن كل الكلام اللي بيقوله المقال تزوير، لأنه ما وردش نهائيا في أقوال سليمان الحلبي وزمايله إنه غضب عشان الفرنسيس اقتحمو الأزهر، ولا إنه أصلا حضر يوم ما دخلت خيول الفرنسيس الأزهر، ده غير إن المقال بيقول إن الحلبي غضب لأن أستاذه الشرقاوي قتله الفرنسيس، وإن كان يقصد المقال الشيخ المشهور وقتها عبد الله الشرقاوي، فأصلا الشرقاوي ما قتلوش الفرنسيس، وفوق ده في المحاكمة لما الفرنسيس سألو سليمان الحلبي عن الشرقاوي باعتباره أكتر شيخ أزهر مشهور وقتها إن كان يعرف بنيته قتل كليبر، فقال الحلبي إنه أصلا الشرقاوي مش شيخه، وورد بالنص في كتاب الجبرتي:

انسال هل أنه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي؟

فجاوب: أنه ما شاف هذا الشيخ؛ لأنه ما هو من ملته بسبب أن الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي([4]).

وكملت مقالة موقع "طريق الإسلام" كتابة التاريخ حسب هدف فكر التنظيم الدولي المتحكم فيه، فقال: "المضحك في هذه القصة، بل الشيء الذي يدعو للسخرية فعلًا. . . . هو أنني وجدت من خلاله إعدادي لهذه المادة التاريخية، أن المصادر الأجنبية -الإنجليزية منها والفرنسية على حد سواء- تزعم أن سليمان الحلبي ما قتل كليبر إلّا ليخلص والده من ضرائب فرضها عليه الأتراك! فيالكم من حمقى تستغفلون شعوبكم وتخفون عنهم جرائم جيوشكم، حتى باتت شعوبكم تتساءل عن السر الذي يدفع الغير إلى كرهكم!".

فهو هنا أوهم اللي يقرا إن أقوال سليمان الحلبي فبركها الفرنسيس والإنجليز، وما جابش سيرة الجبرتي، وفي نفس الوقت ما قالش إيه مصادره هو اللي صدرت أيام الغزو الفرنسي- بعيد عن المحاكمة والمصادر الأجنبية- وتثبت إن سليمان الحلبي جه مصر يقتل كليبر عشان الإسلام وعشان ينصر المقاومة المصرية مش عشان يحسن معيشة أهله وياخد دراهم العثمانلية.

يمكن أكتر حاجة تلمس الوجدان في قصة سليمان الحلبي هي الطريقة البشعة اللي قتله بيها اللي جايين بكدبة إنهم يعلمو الناس الحضارة، لكن لو اتحطت جنبها الطرق البشعة برضو اللي قتل وحارب بيها الفرنسيس الفلاحين من دبح واغتصاب وطرد وسرقة ونهب، وحرق القرى باللي فيها، وافتخارهم في شهاداتهم ومذكراتهم اللي كتبها ظباط وجنود فرنسيس عن الحملة بإنهم كانو بيبيدو قرى كاملة ويحرقو أهلها بالآلاف، وفخرهم بحفلات قطع الرءوس للي شاركوا في ثورة القاهرة الأولى والتانية، ورمي جتتهم من فوق القلعة أو رميهم في النيل، ودفن العائلات أحياء تحت حجارة البيوت اللي ضربتها المدافع.. لو اتحط ده جنب الطريقة اللي اتقتل بيها سليمان حلبي هنلاقي إن في ملايين الفلاحين يستحقو الإعجاب والعطف والتقدير والفخر أكتر بكتير من سليمان الحلبي، والأهم إنهم كانو بيحاربو ويضحو عشان بلدهم ودينهم وعرضهم بجد ([5]).

ملحوظة:

 قتلت المقاومة في أنحاء مصر جنرالات فرنسيس كبار غير كليبر، زي ديبوي (مسئول القاهرة) وسلكوسكي ياور بابليون([6])، فمش بس كليبر هو الشخصية الكبيرة اللي اتقتلت، لكنه أخد حظ من الشهرة هو واللي قتله لأنه خليفة نابليون في قيادة الفرنسيس، ولأن القاتل اتثبت اللي عمله في محاكمة موثقة، في حين أن اللي قتلوا جنرالات وقيادات فرنسية تانية غفل التاريخ أساميهم لأن قتلهم كان وسط حمى المعارك، ومش بيتعرف بالظبط مين قتله، وكان الانتقام وقت الثورة من الثوار جماعي، وفوري من غير محاكمات.

_______________


المصادر والمراجع من الكتب والمواقع





(([1]))- لمراجعة النص الكامل لشهادة الجبرتي والنص الكامل للمحاكمة: راجع كتاب عجايب الآثار في تراجم الأخبار، عبد الرحمن الجبرتي، الجزء التالت، طبعة بولاق دار الكتب المصرية، تحقق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ص 190- 219

(([2]))- لمراجعة دور الشوام في صناعة واختراع تيار القومية العربية في الشام ونقله لمصر، وفي دعم الإنجليز وتركيا ضد المقاومة المصرية عن طريق السيطرة على الصحف والمسرح والاقتصاد بدعم من الاحتلال، ودورهم في تزوير تاريخ مصر، راجع: - الماسونية والماسون في مصر 1798- 1964، وائل إبراهيم الدسوقي، دار الكتب والوثائق القومية، والأهرام ديوان الحياة المعاصرة، يونان لبيب رزق، ج 1، مركز تاريخ الأهرام، - مصر الحديثة، اللورد كرومر،المركز القومي للترجمة، ت. صبري محمد حسن، ج2، و208- مصر في قصص كتابها المعاصرين، محمد جبريل، الهيئة العامة للكتاب، و الحركة القومية العربية في القرن العشرين، هاني الهندي، مركز دراسات الوحدة العربية، و يقظة العرب- تاريخ حركة العرب القومية، جورج أنطونيوس، ت. ناصر الدين الأسد وإحسان عباس، دار العلم للملايين، بيروت، و الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الإنجليزي، سامي عزيز، دار الكتاب العربي.

([3])- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ - (13) سليمان الحلبي، موقع طريق الإسلام، 1- 8- 2019
https://ar.islamway.net/article/78971/-13-%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%A8%D9%8A

(([4]))- كتاب عجايب الآثار في تراجم الأخبار، عبد الرحمن الجبرتي، الجزء التالت، طبعة بولاق دار الكتب المصرية، تحقق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ص 190- 219

(([5]))- لمراجعة جرايم ومدابح الفرنسيس في غزو القرى أو معاقبة الثوار راجع شهادات الظباط والجنود الفرنسيس في شهاداتهم المنشورة في: النضال الشعبي ضد الحملة الفرنسية، المقدم محمد فرج، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، بونابرت في مصر، ، كريستوفر هيرولد، ترجمة فؤاد أندراوس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998

(([6]))- كتاب بونابرت في مصر، ، كريستوفر هيرولد، ترجمة فؤاد أندراوس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998ص 208

بقلم

إفتكار السيد
 (نفرتاري أحمس)

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version