التاريخ الميلادي

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2022

أوبرا عايدة وتمجيد الخيانة.. عار لمصر وفخر لأثيوبيا، مين وقعنا في الفخ؟

  تخيل لما تكون بتسمع عن عمل فني يخص تاريخ بلدك، العالم كله بيتكلم عنه ومنهبر بيه، والمسئولين والفنانين الكبار جوة البلد معتبرينه ريشة فوق راس مصر، وبعدين تتفاجئ إنه بيمجد خيانة مصر! إيه الصدمة دي!

الفنانين في الصورة من عرض لـ"أوبرا عايدة" في لوس أنجلوس والكلام عليها من الترجمة

من سنين كتيرة رحت أوبرا القاهرة وحضرت عرض أوبرا عايدة.

اتبهرت بيه قوي خااالص، واللي بهرني الجو المصري القديم اللي ملا المسرح، وحلاوة الديكورات والإضاءة، اللي خلتنا كأننا عايشين وسط أجدادنا.

والحلاوة الكبيرة بقى.. موكب النصر.

موكب النصر ده بتاع الأجداد، وهما راجعين منتصرين من الحرب على القبايل اللي ورا الحدود المصرية الجنوبية (الأوبرا سمتهم الأثيوبيين)، وكانت بتهاجمنا، وأغاني النصر لمصر، والفخامة والفخر على وشوش الناس في الموكب، عظمة على عظمة، تشبع روحك الوطنية آخر حاجة.

وقدرة الفنانين المصريين على التمثيل والغنا الأوبرالي عالية قوي (في العرض اللي حضرته كان  ده كتير منهم مصريين)

وفي عز الحلاوة دي.. فجأة.. حاجة لسعتني.

مشهد إن القائد المصري راداميس، عايز يهرب مع أسيرة أثيوبية اسمها عايدة بنت حاكم الأثيوبيين، يعني بنت عدو المصريين اللي هزمناهم في الحرب، وكان هيهرب معاها في الوقت اللي الأثيوبيين بيستعدو يهاجمونا تاني بعد ما انتصرنا عليهم، والجيش محتاجله.

(بتحكي إيه القصة؟ )

نقولها باختصار، وبعدين هنجيب الحوار كله، عشان نشوف فيه هو مكتوب مع مصر ولا ضد مصر، وبيعلم المصريين إيه، وبيعلم الأجانب عن المصريين إيه، وعن الأثيوبيين إيه.

المختصر إنه بييجي خبر إن الأثيوبيين بيهاجمو مصر، وكبير رجالة المعبد بيقول للظابط راداميس إنه مصر بتتجهز للحرب، وفي مشاورات في الحكومة حوالين مين هيقود الجيش.

راداميس يتمنى يكون هو القائد، مش عشان يحمي مصر، لكن عشان ينتصر، ولما ينتصر يبقى عنده دلال على حاكم مصر (ما قالتش الرواية اسمه) يطلب منه طلب كبير وينفذه ليه، والطلب اللي كان عايزه هو إنه يحرر الجارية الأثيوبية عايدة، وإنه يرجعها لعرشها في بلدها، ويخلي عرشها جنب الشمس (يخلي عرش أعدائه جنب الشمس!)، لأن هي بنت ملك أثيوبيا، بس مكنتش معرّفة حد إنها بنته إلا راداميس، عشان في بينها وبينه حب وعواطف.

عايدة طول الرواية بتطلع في كذا مشهد، ومشاهد طويلة متخصصة ليها، وهي قاعدة تغني لبلدها وحلاوة بلدها، وإنه بلدها أهم عندها من كل حاجة، وضميرها بيتعذب إنها بتحب عدو بلدها، في حين إنه مفيش مشهد واحد متخصص لراداميس وهو بيغني لمصر، أو إنه شايف بلده أهم من عايدة.

بتختار الحكومة راداميس يقود الحرب، وينتصر الجيش المصري، ويتجاب الأُثيوبيين أسرى متجرجرين في السلاسل، ومنهم "عمونصرو" ملك الحبشة (أثيوبيا)، لكن مكنش قايل إنه هو ملك الحبشة، وكدب وقدم نفسه على إنه ظابط مهم في الجيش، وقال للمصريين إن الملك اتقتل في الحرب.

وفي موكب النصر العظيم- واحد من أشهر مشاهد الرواية- يغني المصريين أحلى وأدفى الأغاني لمصر ولإله مصر، عدا راداميس اللي كان واقف عينه على عايدة اللي واقفة وسط الناس، وبيغني لعايدة.

أما عايدة فكانت واقفة بتندب حظها لما شافت أبوها وسط الأسرى، بس أبوها قالها ما تقولش للمصريين على إنه هو ملك أثيوبيا، واتفقوا سوا إنهم هيعملو خطة ينتقموا بيها من المصريين.

في وسط الموكب بيكرَّم حاكم مصر قائد الجيش راداميس، ويقوله اتمنى عليَّا أي طلب أنفذهولك، فطلب راداميس إنه ما يقتلش الأسرى الأثيوبيين، وكمان طلب إنه يحررهم.

اتفاجئ المصريين الحاضرين موكب النصر بطلب راداميس، وقالو في صوت واحد إن عدوهم غدار، ولو حرروا الأسرى هيرجعو يهاجمو مصر تاني.

لكن راداميس يكدب على المصريين، أو كان عنده سوء تقدير، وقالهم إن الأعداء بعد ما ملكهم مات ما بقاش عندهم رغبة في الانتقام.

كمان قعد عمونصرو وعايدة يتحايلو على المصريين إنهم يرحموهم، بحجة إن المصريين ناس كرام أصحاب عفو، والأثيوبيين دلوقت في وضع ضعيف، وبحجة إن الزمن دوَّار، وممكن بكرة المصريين هما اللي يبقو أسرى عند الأثيوبيين ويحتاجو لعفوهم.

ويرجع المصريين يقولو للحاكم أوعى تسمع "توسلاتهم الغادرة".

وبعد إلحاح راداميس، بيحط كبير رجالة المعبد رمفيس (اللي كان قلقان من الطلب) شرط، وهو إنه تفضل عايدة وأبوها في الأسر، عشان يبقو رهينة ما تخليش الأثيوبيين يهاجمو مصر.

بعدين حاكم مصر يكافئ راداميس مكافئة تانية، وهي إنه يقوله هيجوزه بنته أمنيريس، ويبقى الحاكم بعده، وده هيزعل راداميس اللي عايز عايدة بس.

بعد ما يخلص موكب النصر، يتسحب عمونصرو ويقابل بنته عايدة لوحدهم، ويطلب منها يعملوا خطة يقرطسوا بيها راداميس، ويستغلو حبه لعايدة، في إنهم يعرفو منه أسرار حربية تساعد الأثيوبيين يهاجمو مصر تاني، ويحررو ملكهم وبنته.

في الأول هي ما ترضاش؛ لأنه حست إنها بكدة هتخون راداميس، بس بعد إلحاح أبوها، وهو بيكلمها عن الذل اللي ذله المصريين لشعبها، وإنهم جرجرو أهلها أسرى وقتلو الأمهات والشيوخ والأطفال، هتوافق، وتشوف إن بلدها أهم من الراجل اللي بتحبه.

وده من المشاهد الفارقة في الرواية، وتبين إن إزاي أعداء مصر مش بينسو أي تار ليهم عندها، حتى لو هما اللي بدأو بالعدوان، وفي نفس الوقت راداميس ما اتجبش له أي مشهد وهو بيغني لبلده وحدها، أو بيفتكر إيه عمل أعداء مصر فيها، لكن اتجاب إنه بيغفرلهم بسهولة، حتى وهما على باب مصر جايين يغزوها تاني.

وتقعد عايدة مع راداميس قعدة لوحدهم قصاد معبد من المعابد، وتسوق عايدة الدلال على رادميس، وتعرض عليه يهربو سوا لبلدها عشان يتجوزو هناك بدل ما يتجوز بنت حاكم مصر (يعني يسيب بلده في عز الحرب لأن الأثيوبيين كان بيستعدو يهاجمو مصر تاني).

والأول يرفض، لكن تزيد الدلال عليه، وتوصف بلدها بإنها بلد الحرية والسعادة، في حين تتوصف مصر بإنها أرض اللعنة والحزن، وهو يقول معاها إن مصر أرض اللعنة والحزن.

ومع زيادة الدلال عرفت منه أسرار حربية عن الطريق اللي هياخده الجيش المصري عشان يروح يهاجم الأثيوبيين قبل ما ييجو هما مصر.

أول ما ينطق بسر الطريق، يطلع عمونصرو أبو عايدة من مكان كان مستخبي فيه، ويقوله إنه هو ملك أثيوبيا، وخلاص عرف السر وهيوصله للأثيوبيين، فيتخض راداميس، ويصرخ لأنه هيعرف إنه خان بلده.

(دي اللقطة الوحيدة اللي اتجاب فيها راداميس ضميره بينقح عليه ناحية بلده، وكانت لقطة ع السريع، وهيقلب بعدها تاني ناحية الخيانة، ويشوف إن حب عايدة يستحق إنه يخون بلده)

 عايدة وأبوها هيحاولو يهدوه، وهي تسوق عليه العواطف، وتقوله إن حبهم أغلى من كل حاجة، وأبوها يعرض عليه إنه هيخليه حاكم بعد ما الأثيوبيين ينتصرو على مصر، ويسحبوه الاتنين وهو مصدوم عشان يهربو سوا.

وهما ماشيين يتفاجئو بأمنيريس، بنت حاكم مصر، ورجالة من الجيش والمعبد وراهم، وهيقبضو عليهم بعد ما عرفو الخيانة اللي حصلت، وإن راداميس قائد الجيش هيسيب الجيش في وقت ما الحرب هتبدأ تاني مع الأثيوبيين ويهرب لبلاد الأثيوبيين، ويقتلو ملك أثيوبيا، لكن تهرب عايدة، ويقبضو على راداميس، وتتعمله محاكمة.

في المحاكمة، راداميس يتراجع عن اعترافه بإنه خان بلده، ويفضل يغني لعايدة أغاني معناها إنه حبه ليها أعلى من كل شيء وأهم من كل شيء.

تتدخل أمنيريس عشان تشفعله، لأنها كانت بتحبه وعايزة تتجوزه، وتقوله يعترف بالخيانة ويندم وهي هتخلي أبوها يعفي عنه، لكن هو يرفض يقول إنه غلط، ويقول لأمنيريس إن الموت عنده أحسن من الحياة من غير عايدة.

ويتحكم عليه يندفن حي؛ لأنه خاين، وتقعد أمنيريس، بنت حاكم مصر، تشتم على القضاة ورجالة الجيش ورجالة المعبد اللي حاكمو راداميس، وتتهمهم إن هما ما بيشبعوش من الدم، وإنهم قاسيين، وإن اللي عملوه ما يرضاش عنه الإله، وإن راداميس برئ ما غلطش.

وهنا الرواية بتقدم إن بنت حاكم مصر هي كمان، فضَّلت هواها الشخصي، ومصلحتها الخاصة، على مصلحة مصر، لدرجة تبرأ الخاين، وتتهم رجالة مصرالوطنيين المحترمين اللي بيحاكموه إن هما بكدة اللي مش كويسين وإن هما اللي ضد الإله.

تنتهي الرواية على مشهد إن راداميس في قبر ضلمة، وقاعد يغني لعايدة، ومش في دماغه خالص إيه عمل الجيش المصري وهو سايبه من غير قائد والعدو على باب مصر، ويتفاجئ بإن عايدة داخلة عليه، وتقوله إنها لما هربت رجعت تاني لما عرفت إنه هيتعدم، عشان تموت معاه، ويموتو سوا، وهما بيغنو لحبهم.

وهي في الأساس رجعت لما أبوها اتقتل، وعرفت إن بلدها كدة كدة هتتهزم تاني، وهتفضل أسيرة، وخسرت كل حاجة.

وبكدة بتبقى الرواية بتقدم قد إيه بيمجد الأثيوبيين بلدهم ويضحو عشانها، في حين إنه يتقدم قائد الجيش المصري وبنت الحاكم المصري إزاي بيخونو بلدهم، ويفضلو هواهم الشخصي عليها.

 خلص الجزء (1) من عرض المشاهد اللي مش بيركز عليها الإعلام في عرض "أوبرا عايدة".

 والمقالة الجاية هتكون الجزء (2) وفيه الحوار كامل على لسانهم، عشان يوضح أكتر قصاد اللي بيقرا وعايز يتأكد من الكلام والعبارات.

وبعد عرض الحوار كامل، هنقدم معلومات تاريخية عن الأحداث اللي جايباها الرواية حصلت حقيقي في تاريخ مصر ولا لأ، وإزاي وليه اتعملت الرواية.

والفيديو ده فيه العرض الكامل لـ"أوبرا عايدة" مترجم للعربي، للي حابب، والأحسن كل واحد يشوفه كامل بنفسه.


ملحوظات سريعة قبل عرض الجزء التاني، وهنبقى نفصلها بعدين:

• الرواية بتتكلم إن عدو مصر هو مملكة أثيوبيا، وبيقدمها أكتر الناس اللي بتشرح الرواية للناس على إنها أثيوبيا الحالية (الحبشة).

 بس في التاريخ المصري القديم قبل الاحتلالات، مكنش في مملكة كبيرة في الحبشة أساسا، وهضبة الحبشة كانت مناطق قبايل ومقاطعات متفرقة مفيش حتى آثار توضح الحياة فيها كويس، وأي مواجهات حربية وقتها كانت بين المصريين وبين سكان شمال السودان اللي كنا بنسميهم "كاش"، واتحرفت في أيام الإغريق والرومان لـ"كوش"، وكنا نقصد بيها كل اللي ورا الحدود الجنوبية المصرية بعد الشلال التاني.

أما كلمة "أثيوبي" فقالها الإغريق على كل الشعوب والجماعات اللي بداية من السودان لورا، ويقصدو بيها أصحاب الوشوش المحروقة أو السود (نفس معنى كاش عند المصريين والزنوج أو السود عند العرب)، من غير تخصيص لمملكة بعينها.

وما ظهرش لوش التاريخ مملكة في هضبة الحبشة حاليا إلا بداية من القرن الأول أو التاني الميلادي، يعني في عصور متأخرة، وكانت مصر تحت الاحتلال الروماني، وكان اسمها "أكسوم"، وهي اللي عرفها العرب باسم الحبشة.

• كل الأسامي المنسوبة لمصريين (راداميس، رمفيس، أمنيريس) في الرواية مش أسامي مصرية.

 أنا دورت كتير على أصل الرواية في الآثار المصرية ما لقتش، رغم إن اللي بيسوقو للرواية دايما يقولو إنها متاخدة عن بردية مصرية، ويتكلوا على إن اللي حط قصة الرواية عالم المصريات الفرنساوي مارييت، لكن ما شفتش لسة في أي مرجع نص البردية اللي بيتقال مارييت جابها منها، ولا مكتوب فيها إيه بالظبط، ولا بتتكلم عن أنهي عصر.

وأنا مش خبيرة آثار، لكن درست كذا سنة دبلومة في قسم الآثار المصرية وتمهيدي ماجستير في كلية الآُثار جامعة القاهرة، ومدرسناش نهائيا إن المصريين كتبوا قصة بالمعنى اللي موجود في أوبرا عايدة، ولا موجودة في آدابهم، على الأقل في آثارهم قبل الاحتلالات الطويلة، ولسة هدور برضو.

بقلم: إفتكار السيد (نفرتاري أحمس)

2 التعليقات:

أتفق تماما مع طرحك. وشوفي ما كتبته في هذا الشأن. https://nadiatawfikbooks.com/2022/11/11/operaaida/

مقالي بيتكلم على ظروف إنتاج الأوبرا والشخصيات اللي شاركت في المشروع.

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version