التاريخ الميلادي

الخميس، 26 سبتمبر 2019

إمتى اتقالت أول مرة في تاريخ مصر: "عودو لثكناتكم"؟

إفتكار البنداري السيد
(نفرتاري أحمس)

"عودوا لثكناتكم" ...

أول كلمة اتقالت للجيش المصري بعد ما انفض اعتصام الـ 18 يوم في ميدان التحرير سنة 2011
وكان الغريب إن نفس اللي قالوها هما اللي قالو قبل الـ 18 يوم وهما بيستنجدو بالجيش عشان يساعدهم في شيل الريس حسني مبارك "واحد اتنين الجيش المصري فين"، وبعد ما نزل شجعوه وقالو :"الجيش والشعب إيد واحدة".

 وبعد ما انفض الاعتصام، وفي عز ما الفوضى لسة شغالة، ويدوب الجيش أعلن إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هيتولى "إدارة البلاد" لكذا شهر لحد ما تتعمل الانتخابات.. إلا وطلع هتاف: "عودوا لثكناتكم"..
وبعدها طلع هتاف: "يسقط حكم العسكر".. وكان الهتاف ده في يوم الجمعة 9-9- 2011


وجه هتاف "عودوا لثكناتكم" و"يسقط حكم العسكر في 2011 على لسان حركات "الاشتراكيين الثوريين" (حركة ماركسية)، وحركة 6 أبريل، وغيرها من حركات كانت بتقول إن هدفها إعلان "الحكم المدني" في مصر، مدعومين بنفوذ وتمويل وإعلام عدد من رجال الأعمال أصحاب المصلحة في إنهم يكونو المسيطرين على الثروة والسلطة في مصر، على نمط "الإقطاعيين" قبل ثورة 1952


ومعلوم إن من أهداف "الاشتراكيين الثوريين" ضم مصر إلى مشروع ما يسمى بالدولة الاشتراكية العالمية (إمبراطورية شيوعية)، وهدف حركات زي 6 أبريل وغيرها ضم مصر بشكل مفتوح إلى فلك العولمة ضمن ما يسمى بـ (الحكومة العالمية الواحدة)


وتأخر تنظيم الإخوان الدولي في الضم على الحركات دي لأنه كان خايف من الصدام مع الجيش، وكان يهمه تهدي الأمور لحد ما يكسب انتخابات البرلمان وبعده الرياسة وبعدها...يزيل الجيش المصري نفسه و"يعيد هيكلته" حسب تعبير بعض كوادرها زي عبد المجيد الشاذلي، وتأسس جيش وداخلية حسب مقاييس تنظيم الإخوان واللي وراه.


أما لما اختبر الشعب المصري مرارة حكم تنظيم الإخوان واكتشف أهدافه وأسقطه، ضم التنظيم لهتاف "عودوا لثكناتكم"، و"يسقط حكم العسكر" بداية من 2013....وهدفه تفكيك الجيش المصري  وكل مؤسسات الدولة، وتفريغها من المصريين الحقيقيين، وتعبيتها بأتباع تنظيم الإخوان سوا من مصر أو أجانب...وتحويل مصر إلى "ولاية" في الخلافة الإسلامية الإخوانية المزعومة...

فإمتى اتقال الهتاف ده للجيش المصري لأول مرة.. وكان هدف اللي قاله يختلف، ولا هو هو؟ تحويل مصر إلى مجرد "ولاية"، يسيطر عليها من جوة الأجانب، وتتبع خلافة أو إمبراطورية برانية؟

في يوم الجمعة 9-9- 1881 وبداية من الساعة 9 بالليل.. أشرقت مصر- رغم الليل- بنور كانت مستنياه في شوق طويل ليها مئات السنين.. وهو نور ثورة يقودها أولادها الفلاحين، يهبو في وش حاكمينهم المحتلين، يقولولهم: "مصر للمصريين"


في الليلة السعيدة دي راح عرابي وقادة ثورة 1881 راكبين الحصنة ورافعين سيوفهم يقودوا الآلاف من الظباط والجنود إلى ساحة عابدين، عشان يقدمو للخديوي توفيق (الوالي العثمانلي) طلبات الأمة، بعد ما الفلاحين بعتو جوابات التفويض والتوقيعات لأحمد عرابي يفوضوه يتكلم قصاد الخديوي باسمهم

عرابي وسط الفلاحين
أول تفويض شعبي لزعيم مصري في العصر الحديث

ولما دخل الجيش المصري الساحة، اتحشد وراه جمهور من الأهالي المصريين في الساحة أو بيتفرجو من الشبابيك والبلكونات

كان المشهد مهيب وجليل، وبوصف عرابي كان "الموقف الرهيب"

في الجانب التاني اصطف الخديوي توفيق جنبه أوكلاند كولفن المراقب المالي الإنجليزي في الحكومة (ضمن نظام المراقبة الثنائية)، وتشارلز كوكسون القنصل الإنجليزي في الإسكندرية، والحاشية التركية الشركسية

جانب يمثل المصريين والحق الغايب

وجانب يمثل الأجانب والمحتلين والشر الحاكم


ودار الحوار ده زي ما نقله جون نينيه المراسل السويسري اللي كان عايش في مصر من أيام محمد علي لحد ما رحلة الإنجليز منها بتهمة تأييد ثورة 1881، وجه نص الحوار في كتابه "رسائل من مصر 1879- 1882) في الرسالة رقم (62) اللي بعتها لصحف أوروبا بتاريخ 18 سبتمبر 1881 عن أحداث الثورة في مصر، وقال فيها:


"تلك هي الكلمات النبيلة التي وجهها عرابي يوم الجمعة إلى نائب الملك (لفظ أوروبي معناه الخديوي نائب السلطان العثمانلي) في قصره بعابدين:

توفيق -ماذا تريدون هنا؟ عودوا إلى ثكناتكم

عرابي- احذر: نحن لسنا مملوكين لأحد .. ولسنا عبيدا لكم، نحن الشعب المصري، لقد طلبنا ولم يستجب أحد لطلبنا، والآن نحن نريد.


وما اختلفش كتير نص الحوار عن النص اللي نشره كرومر (مندوب الاحتلال البريطاني في مصر) في كتابه "مصر الحديثة" نقلا عن الوثايق البريطانية ومراسلات وكتابات كولفن وكوكسون مع الحكومة البريطانية وقتها، وزاد عليه إنه اللي أشار على توفيق إنه يطلب من الجيش يرجع للثكنات هو كولفن.. يعني الإنجليز.

فنقل كرومر عن أوراق كولفن: "قلت للخديوي: "عندما يمثل عرابي بك أمامك، مُره بأن يعطيك سيفه، وأن يأمر الجنود بالانصراف".

وأنه لما عرابي رفض اللي أمره بيه توفيق بخصوص الرجوع للثكنات قبل ما تتجاب مطالب الأمة، وتكهرب الجو، نصح كولفن توفيق يدخل جوة القصر، ويكمل هو مفاوضات مع عرابي بحجة إنه "ليس من اللائق أن يناقش الخديوي مسائل من هذا القبيل مع العقداء"، وإنه- يعني كولفن- كرر طلب العودة للثكنات: "ورحت أحثهم على العودة إلى ثكناتهم قبل فوات الأوان".

أما عرابي زعيم المشهد فحكى في مذكراته إضافة للي سبق إن الإنجليز اللي واقفين جنب توفيق نصحوه يضرب نار من غدارته على عرابي، لكن توفيق بخوف قاله: "ألم تنظر إلى من حولنا من العساكر، ثم صاح على من اتبعني من الضباط وأمرهم أن يغمدوا سيوفهم ويعودوا إلى بلوكاتهم فلم يفعلوا، بل وقفوا من خلفي ودم الوطنية يغلي في مراجل قلوبهم والغضب ظاهر على وجوههم"

ونص الحوار بين عرابي وتوفيق حسب مذكرات عرابي كان:

تساءل الخديوي عن أسباب حضوره بالجيش إلى عابدين.

عرابي: جئنا يا مولاي لنعرض عليك طلبات الأمة والجيش وكلها طلبات عادلة

الخديوي: وما هي هذه الطلبات؟

عرابي: إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبي، وزيادة عدد الجيش إلى القدر المعين في الفرمانات السلطانية، والتصديق على القوانين العسكرية السابق أمركم بوضعها.

الخديوي: كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا.

عرابي: نحن خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا وعقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم.

وأنه لما خاف القناصل على توفيق من طول المواجهة وأمروه يدخل جوة القصر، وكرر كولفن السؤال على عرابي عن سبب حضورهم ورد عرابي بنفس الطلبات قاله المسئول الإنجليزي: "طلب إسقاط الوزارة وطلب تشكيل مجلس النواب من حقوق الأمة لا من حقوق الجهادية، ولا لزوم لطلب زيادة الجيش لأن المالية لا تساعد على ذلك".

يقول عرابي: "فقلت له: اعلم يا حضرة القنصل أن طلباتي المتعلقة بالأهالي لم أعمد إليها إلا لكونهم قد أقاموني نائبا عنهم في تنفيذها بواسطة هؤلاء العساكر الذين هم عبارة عن إخوانهم وأولادهم، فهم القوة التي ينفذ بها كل ما يعود على الوطن بالمنفعة والصلاح، وانظر إلى هؤلاء المحتشدين خلف العساكر فهم الأهالي الذين أنابونا عنهم في طلب حقوقهم، واعلم علم اليقين أننا لا نتنازل عن طلباتنا ولا نبرح من هذا المكان ما لم تنفذ".

عرابي وسط الفلاحين
عرابي وسط الفلاحين المنتظرين زعيمهم من مئات السنين
واضطر القناصل والمسئولين الأجانب وتوفيق الموافقة على الطلب الأول وهو إقالة وزارة رياض، أما المطالب التانية فأعلنوا الموافقة ولكن بالتدريج، فيما ورد في كتاب كرومر إن الإنجليز تحججو بإنه يلزمها موافقة الأول من السلطان العثمانلي، فوافق عرابي ورجع للثكنات، وترك أمر تشكيل الحكومة لشريف باشا وغيره من مسئولين من برة الجيش.. وهو ما إدى الخديوي والإنجليز وأتباعهم الفرصة والوقت إنهم يحولو الموقف بعد كدة لصالحهم زي ما هو معروف من أحداث ثورة 1881 واللي انتهت إليه..

بعد 71 سنة، في ثورة 1952 تكرر المشهد..

فبعد ما نجحت الثورة في إسقاط حكم عيلة محمد علي، وألغت الأحزاب، وبدأت في التفاوض مع الإنجليز على الرحيل من مصر، تحالف حزب الوفد، وتنظيم الإخوان المسلمين، وجزء من الشيوعيين، وجزء كبير من الإقطاعيين (العائلات اللي توارثت المناصب والنفوذ والثروة طول حكم عيلة محمد علي) تحالفو ضد الثورة رغم الخلافات الشديدة بينهم، )- وبعضهم عمل اتصالات مع بريطانيا للتنسيق- واتفقو على شعار واحد يقولوه لمجلس قيادة الثورة وهو: "عودوا إلى ثكناتكم"

وجنب الهتاف ده رصو كلمات براقة زي إن مطالبهم هي "الحياة الديمقراطية"، و"الحريات"

وكان الطلب ده بيترفع في الوقت اللي كان لسة الجيش الإنجليزي مبلط في مدن قناة السويس، وفي أي وقت بيجتاح القاهرة زي ما عمل في حادث 4 فبراير 1942، وفي وقت الدولة محتاجة للموقف الواحد عشان تكون آداة ضغط على الإنجليز في المفاوضات.

ونشأ عن إصرار التحالف ده ضد الثورة ما اشتهر باسم "أزمة مارس 1954" بين جمال عبد الناصر ومحمد نجيب، لأن  نجيب انضم للتحالف الحزبي- الإقطاعي، وإن انتهت لصالح استمرار مجلس قيادة الثورة في الحكم اللي ما كررشي غلطة عرابي بترك الأمور في البداية للأعيان من أتباع الخديوي، وتوقيع اتفاقية الجلاء في نفس السنة، وحبس قيادات تنظيم الإخوان بعد محاولتهم اغتيال عبد الناصر، وبعدها رفعت الثورة ردا على المتاجرين بكلمة الديمقراطية والحريات، شعار "كل الحرية للشعب، ولا حرية لأعداء الشعب"

وكان المقصود بالشعب هو البعيدين عن التحالفات الحزبية والإقطاعية واللي مش منتمين لتيارات ليها ولاء للمعسكر الشرقي أو الغربي، في حين كان المقصود بأعداء الشعب هو كل من عايز يرجع بمصر لحكم عيلة محمد علي أو الإقطاع (احتكار الثورة والنفوذ والمناصب والبرلمان في كام عيلة)، أو عايز تسليم مصر للتنظيمات الدولية زي تنظيم الإخوان والشيوعيين والرأسمالية الموالية لأمريكا.

ثورة 23 يوليو و الفلاحين
جمال عبد الناصر وسط الفلاحين

وبعد أقل من 59 سنة، في 2011، رجع نفس المشهد.. بنفس الهتافات.. بنفس الشعب وأعداء الشعب

وما انتبهشي كتير من المصريين التايهين اللي شاركو- بحسن نية- في مظاهرات حركات 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وجماعات سلفية إلخ لمعنى رفع هتاف "يسقط حكم العسكر" وتخصيص جمعة ليه في يوم 9-9- 2011، وإن الموافق ليوم 9-9- 1881 اللي قال فيها الإنجليز وتوفيق وأتباعهم نفس الهتافات للجيش المصري بهدف الاستفراد بمصر بعيد عن أهلها الحقيقيين..وجمعة 7- 10- 2011 (بمناسبة حرب أكتوبر) اللي سموها رسميا ب "جمعة شكرا .. عودوا لثكناتكم"

مظاهرات 25 يناير
الجيش في مظاهرات يناير 2011

ولا انتبهو إلى إن الهدف الحقيقي من الهتاف "عودو لثكناتكم" و "يسقط حكم العسكر" في 2011- ولحد دلوقت- هو إن التنظيمات والأحزاب المربوطة بولاءات لتيارات وتنظيمات دولية عايزة مصر تكون "ولاية" للتنظيم العالمي الشيوعي، أو التنظيم العالمي الإخواني، أو التنظيم العالمي الرأسمالي، إلخ.. المهم ما تكونشي "مصر للمصريين".


جماعة الإخوان حاربت الجيش في 2013
كرر تنظيم الإخوان الدولي خطة بريطانيا والخديوي ضد مصر
وهو هتاف "مصر للمصريين" اللي رفعه الشعب في ثورة 1881، وما زال يكافح عشانه لدلوقت، ولآخر الزمان.


مصر للمصريين
مصر للمصريين مبدأ مصر الخالد
المراجع :

- رسائل من مصر (1879- 1882)، جون نينيه، ترجمة. فتحي العشري، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005

-  مصر الحديثة، اللورد كرومر،المركز القومي للترجمة، ت. صبري محمد حسن، ج1، ط1، القاهرة، 2014


- مذكرات الزعيم أحمد عرابي، دراسة وتحقيق عبد المنعم إبراهيم الجميعي، ج1، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2005


- ثورة 23 يوليو 1952، تاريخنا القومي في 7 سنوات"، عبد الرحمن الرافعي، دار المعارف، ط 2، 1989

- الصراع الإجتماعي والسياسي في مصر منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 إلى نهاية أزمة مارس 1954، عبد العظيم رمضان، مكتبة مدبولي، ط 2، القاهرة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version