ويقول ضابط المخابرات
الكندي وليام جي كار في كتابه "الشيطان أمير العالم"، كتبه في
الخمسينات، إن أمريكا كانت تفضل الهجرات القادمة فقط من غرب أوروبا (البيض البروتستانت)،
إلا أن توغل تنظيم النورانيين- ويقصد به التنظيم العالمي المسيطر على بيوت المال
العالمية مثل روتشيلد وغيره- حين أراد أن يتمكن من اقتصاد أمريكا ومؤسساتها، لجأ
في هذا إلى إرسال وتوطين هجرات يهودية كثيفة استقدموها من روسيا وشرق أوروبا في
شكل لاجئين ومستثمرين لتطويق رقبتها، وسيطروا فعلا من بوابة الاستثمار والخصخصة،
فاشتروا شركات عملاقة تابعة للحكومة أو غيرها من الأمريكيين مثل "هاينز-
مورز" الخاصة بالسفن ومصانع الحديد واحتكرتها شركات "مورجان"
و"دريكسيل" العاملتان تحت مظلة روتشيلد[1].
▼▼▼
شهادة فاجان وتوطين اللاجئين
ويقدم
المخرج الأمريكي مايرون فاجان شهادته على هذا الأمر، فيقول إنه حضر واقعة فتحت له
باب التساؤلات، وكرَّس حياته بعد ذلك لكشف هذا التنظيم وخطره على أمريكا في
الإعلام.
ففي
سنة 1945 حضر فاجان بناء على دعوة من المؤلف جون.ت. فلين اجتماعا في واشنطن، وشاهد
مجموعة أفلام سرية جدا عن الاجتماعات السرية اللي تمت في "يالتا" بين
الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والسوفيتي جوزيف ستالين لتقسيم العالم بعد الحرب
العالمية الثانية، وكان من نصيب السوفيت أوروبا الشرقية والبلقان وبرلين، في إطار
رسم ملامح النظام العالمي الجديد[2].
وبسبب
ما عرفه فاجان في هذا الاجتماع والأفلام كتب مؤلفه "مخطط النورانيين" أو
في بعض الترجمات "مخطط المتنورين"، وأسس جمعية السينما للتثقيف والتعليم
CEG))
Cinema Educational Gild سنة 1947 لنشر التحذيرات
وكشف الشخصيات المتورطة.
فشرح
فاجان كيف أرسلت عائلة روتشيلد صنيعتها اليهودي جاكوب شيف إلى الولايات المتحدة
ليستكمل مسيرة زرع فكر الناريين في مراكز القرار الأمريكي، فسيطر على الشركات
الضخمة أولا، ومن بوابة الاقتصاد والرشاوى سيطر على الحزبين الجمهوري والديمقراطي،
وساعد "شيف" في ذلك تدفق اليهود من أوروبا وروسيا إلى الولايات المتحدة
باسم لاجئين مضطهدين بعد أن كان عددهم قبل هذا لا يتعدى آلاف.
جاكوب شيف |
وبدأت
الحكاية بأنه لتحقيق تواجد رسمي للناريين داخل أروقة الكونجرس والبيت الأبيض- بعد
السيطرة على البنك الاحتياطي كان مطلوبا السيطرة على أحد الحزبين، الجمهوري أو
الديمقراطي، لأنه عن طريق النواب سيكون لهم صوت رسمي في الكونجرس وعن طريق مرشح
الحزب للرئاسة سيكون لهم وجود رسمي في البيت الأبيض.
ووقع
الاختيار على الحزب الديمقراطي (تأسس 1792) لأنه الحلقة الأضعف والأقدر على السيطرة عليه
لأسباب، منها فقر الحزب في عدد الناخبين، وعلى هذا قرر "شيف"، مد الحزب
بأعداد كافية للمنافسة وموالية للناريين، فجلب هذه الأعداد من الخارج على شكل
لاجئين ومهاجرين[3].
ووقع
اختياره على العجينة الطيعة في هذا الأمر، اليهود، لأنهم من أكثر الطوائف قدرة على
التكتل في هدف واحد، وتنفيذ المهام الموكلة لها مهما طال أمدها، ومن أكثرها حبا
للتسلط على غيرها[4].
وتطلب
هذا صناعة أحداث مؤلمة تهدد وجود اليهود في عدة دول ليتشجعوا على الهجرة، وفجأة في
سنة 1890 اندلعت في روسيا سلسلة مذابح جماعية قُتل فيها آلاف اليهود، رجال ونساء
وأطفال، على يد شعب الكوساك، وحصلت مذابح مماثلة في شرق أوروبا، بولندا ورومانيا
وبلغاريا، وجميع هذه المجازر بتحريض من عملاء "روتشيلد"؛ فتدفق اللاجئون
اليهود من هذه البلاد إلى الولايات المتحدة، واستمر الأمر على هذه الحال مدة ما
بين 20- 30 سنة بسبب استمرار المذابح[5].
بطاقة ترحيب بالهجرة اليهودية لأمريكا 1881- 1924 |
تلقفت
الجمعيات الخيرية التابعة لمؤسسات "شيف" و"روتشيلد" وعملائهم
اللاجئين، ووزعتهم بخريطة مدروسة في المدن الأمريكية، وخاصة شيكاغو وبوسطن
وفيلادلفيا ووديتوريت ولوس أنجلوس، وهي المدن التي بها كثافة تصويتية ضعيفة للحزب
الديمقراطي[6].
ونتيجة
للخدمات المغرية التي تُقدم للاجئين أصبح الفرار من روسيا وشرق أوروبا إلى أمريكا
هدفا جذابا في حد ذاته، حتى وإن لم يكن اليهودي يعاني من المذابح والأزمات.
وبمرور
الوقت أصبح هؤلاء اللاجئون "مواطنين عاديين"، وتم تثقيفهم وإرشادهم
ليسجَّلوا تحت اسم الديمقراطيين، وأصبحت هذه الأقليات تجمعات من الناخبين ترهن
صوتها للمموليها وأولياء نعمتها[7].
وبعد
فترة قصيرة أصبحوا جماعات ضغط "لوبيهات" تقود الحياة السياسية لأمريكا،
وتجرها لصناعة حرب وراء حرب وفرض نموذج واحد على العالم في الحياة، خاصة بعد أن
أصبحت مقرا للأمم المتحدة.
▼▼▼"القضاء على وحدة الشعب الأمريكي"
وإضافة
لهدف صنع تكتلات انتخابية موجهة لصالح الحزب الديمقراطي، كان لجلب المهاجرين الجدد
هدف آخر وهو" القضاء على وحدة الشعب الأمريكي" التي بدأت تتشكل بعد حرب
الاستقلال 1783، والتي كان هدفها الاستقلال السياسي عن إنجلترا وتكوين ما يسمى
بـ"الشعب الأمريكي" بثقافة البيض الأنجلوساكسون.
وفي
ذلك يقول فاجان إن جاكوب شيف سعى لذلك عن طريق خلق الأقليات والنزاع العنصري،
فأدخل إلى الولايات المتحدة أقلية متكتلة مثل اليهود، مع تحريض أقلية أخرى هي
"المواطنين السود"، واللعب على وتر أن كل منهما "مضطهدة"،
وبذلك أمكن استخدام هاتين الأقليتين لخلق الصراع الأكبر في أمريكا، وهذا ما تحتاجه
جماعة الناريين لإنجاز مهمتها.
وبدأت
الاحتكاكات العرقية والكلام عن اضطهاد المهاجرين والسود باحتكاكات في الجامعات
والكليات المحمية بقرارات إيرل وورن Earl Worren ، ولتغذية الشعور العرقي
والأقليات أسس "شيف" جمعية مدنية 1909 باسم "الجمعية الوطنية
لرعاية المواطنين الملونين" NAACP بحجة رعاية المضطهدين
والمهمشين وحقوق السود واليهود المهاجرين.
وادعى
أن تخصيص جمعيات لهم يقوي الوحدة الوطنية بضمان حقوقهم، لكن الحقيقة هدفها كان
تغذية مشاعر الانفصال العرقي أو الطائفي عن المجتمع والتميز والاضطهاد بداخلهم،
وساعدوا في إبراز شخصيات مثل مارتن لوثر كينج، وستوكلي كارميشيل، وبارنارد روستن[8]،
باسم المساواة وحقوق الإنسان.
أمريكية من السود وينعكس على نظارتها شعار الحزب الديمقراطي |
ولو
كان هدفهم حقا منع التمييز بين المواطنين لكان الأولى تغذية المشاعر الوطنية
والانتماء لأمريكا فقط، أو ما يُسمى بالانصهار في "بوتقة" واحدة، وليس
تغذية مشاعر الانفصال والهويات المختلفة عن بعضها، وإشعار كل هوية على حدة بأنها
المختلفة والمضطهدة.
وفي
1913 بدأت المرحلة التالية لمرحلة الوجه "الخيري" لهذه الجمعيات العرقية
والطائفية، وهو الوجه المسلح لبدء عمليات الصدام.
فتشكلت جمعية باسمAnti-defamation of the B'nai
B'rith والمعروفة في أمريكا باسمAFL بمثابة
بوليس سري بحجة حماية الأقليات والمضطهدين، أعضاؤها مسلحين، بحيث إذا وقع شجار بين
أبناء تلك العرقيات، سواء عارض أو مصطنع، يتدخلون سريعا بالسلاح، فيتضخم الأمر.
▼▼▼نصب فخ التعددية الثقافية
بالتزامن مع انفجار المنافشات حول الهوية الأمريكية
استخدم هوراس كالن في 1915 مفهوم التعددية الثقافية بدل من البوتقة في التعبير عن
هوية أمريكا، وقال إن الناس تغير دينها وثقافتها لكن لا يمكن أن تغير أجدادها، وأن
"الأيرلندي أيرلندي دائما، واليهودي يهودي دائما".
وفي تحريضه للمهاجرين على عدم
نسيان أجدادهم الذين كانوا في بلاد أخرى، وأن الهجرات المتعددة "أذابت"
الجنسية الأمريكية، أي لا يوجد شيء اسمه جنسية أمريكية واحدة، داعيا إلى أن تكون
أمريكا "اتحادا للجنسيات"، أو "ديمقراطية للجنسيات"[9].
وهو بهذا يهدف إلى حث اليهود
ليظلوا يهودا، وحث المجتمع المحيط بهم لأن يقبلهم كيهود قبل أي شيء.
وبحس يبدو ساخرا علَّق
الكاتب الأمريكي صمويل هنتنجتون على رأيه بأنه في الوقت الذي يرفض
"كالن" فيه وجود هوية أمريكية وجنسية أمريكية ترتكز على الثقافة
"الأنجلوساكسونية" يلتزم بها الجميع بزعم أن هذه "عنصرية"
بائدة، فإنه في نفس الوقت يدعو للعنصرية أيضا، ولكنها العنصرية التي تخدم وتخلد
هوية أجداده هو (اليهود) في أمريكا.
وأنَّه تحت اسم
"التعددية الثقافية"، أراد أن يقترب من "التعددية العرقية"،
ويجعل من أمريكا "صلصة"[10].
و"كالن" (1883- 1974) هو يهودي صهيوني، مؤسس نظرية التعددة
الثقافية في أمريكا، وركَّز بالذات على الصهيونية كلون ثقافي لليهود بدلا من الدين
وحده الذي لا يلقى ترحيبا كبيرا كعنصر أساسي للهوية عند العلمانيين اليهود، وهدفه
منها هو "تقوية الوجود اليهود في المجتمع الأمريكي" و"لتأكيد حقه
بكونه مواطنا من مواطني الويات المتحدة الأمريكية في أن يكون مختلفا".
وفي نفس الوقت "فكَّر كالن
لفترة في أمر ضرورة تنظيم طائفي ثقافي مستقل ذاتيا ليهود الولايات المتحدة
الأمريكية يكون مرتبطا بدولة إسرائيل"، واختار هو وأستاذ العلوم الاجتماعية
ميلتون مونوفيتس لذلك "الصهيونية"، معتبرين أن "الصهيونية توحدني
مع كل اليهود في العالم في وحدة دين وتاريخ وغيره"، بحيث يمكن لليهودي أن
يعيش كـ"مواطن" في أمريكا، وفي نفس الوقت مرتبط بخدمة إسرائيل، فتكون
الصهيونية هي القومية والهوية الحقيقية الرابطة بين اليهود متدينين وعلمانيين،
وخارج وداخل إسرائيل[11]،
ودون أن يتهمه أمريكي بالخيانة؛ لأنه يفعل هذا في إطار "التعددية الثقافية
والعرقية".
وهو في هذا يخدم نظرية
تيودور هرتزل الخاصة بـ"وحدة الشعب اليهودي"، بأن اليهود في أي مكان في
العالم هم جزء من شعب واحد[12]؛ فلا
يجب أن ينصهر اليهودي تماما في أي شعب موجود فيه في أي دولة حتى لا يضيع الكيان
اليهودي.
كذلك لاحظ أرثرمان أن
"كالن" اقترح التعددية الثقافية "كبديل لمفهوم البوتقة ومبدأ
التفوق الأنجلوساكسوني"[13]؛ لحماية
مبدأ "التفوق اليهودي" على ما عداه في أمريكا، أي يحارب ما يعتبرها
عنصرية ضيقة بعنصرية أضيق.
صورة شائعة لفكرة الانصهار أو التعددية في أمريكا |
واستنكرت شخصيات أمريكية هذه الدعوة
لـ"التعددية" وسمتها بـ"بلقنة" أمريكا، وقالها أرثرمان صراحة
أن مؤيدي "كالن" نوعين: "الصهيونيين وغير اليهود من المثقفين
الموالي للسامية الذين أعجبوا بالتنوع الإثني للحياة الحضارية الأمريكية".
وبالمثل دعا معاصر له هو راندولف برون من مبشري "التعددية" إلى
أن تكون أمريكا "اتحاد عالمي من المستعمرات القومية"، ولا تكون فيها
جنسية أمريكية، بل "جنسية أشمل تنسج إلى الخلف والأمام مع الأراضي الأخرى
عديدا من الخيوط من كل الأحجام والألوان"؛ أي جنسية دولية[14].
وعلى هذا فإن نظرية
التعددية الثقافية تزيل عن العيون والصدور كراهية وجود جماعات تصر أن تبقى مختلفة
بداخل البلد مثل اليهود أو غيرهم، ولكي يقبلهم كما هم، وبانتماءاتهم الخارجية، تحت
يافطة "التعددية الثقافية الحضارية".
ورغم كل ما سبق، فإن
نظرية القومية الأمريكية أو البوتقة في الثقافة الأنجلوساكسونية ظلت هي الغالبة
حتى الخمسينيات، فقبل هذا النشاط المحموم للتبشير بـ"التعددية"، سادت
عقيدة "الأمركة"، وهي ما أعلنه
القاضي لوي برانديز في 1919 أنها تعني أن المهاجر "يتبنى الملابس والسلوكيات
والعادات السائدة هنا بوجه عام، ويستبدل بلغته الأم اللغة الإنجليزية، وأن مصالحه
ومشاعره قد أصبحت عميقة الجذور هنا".
وأنها "تنسجم بشكل كامل مع مُثُلُنا العليا
ومطامحنا، وتتعاون معنا في اكتسابها"، وأضاف آخرون من المؤيدين للأمركة إلى
هذا التعريف ضرورة "الحصول على المواطنة الأمريكية ونبذ الانتماءات الأجنبية
ورفض الولاءات والجنسيات المزدوجة"، واعتمدت الأمركة وتعزيز الهوية الأمريكية
الأنجلوساكسونية- البروتستانتية بالذات على المدارس الحكومية، ووصلت القومية
ذروتها في محاولة تخليص المهاجرين من فكرة أن أمريكا مجرد "مصدر رزق"،
أو ما يربط المهاجر بها هو مصلحة مادية في قول الرئيس جون كينيدي 1961: "لا
تسأل عما يمكن أن تفعله بلدك لك، اسأل عما يمكن أن تفعله أنت لبلدك"[15].
فلما وجد الحاخام رآوبين جورديس أن المجتمع
الأمريكي يتجه نحو التوحد في مجالات اللغة والثقافة والقيم، لجأ للكلام عن
"التعددية الدينية"[16].
وكل هذا يتم تحت مسمى "المجتمع الحر"،
ويقصدون حرية الانتماء والعقيدة، وإن كان في تفسيره على أرض الواقع فإن
"الحرية" فيه ممنوحة لأي انتماء أجنبي، أما الانتماء الوطني فممنوع لأنه
يُعتبر العائق أمام احتفاظ المهاجر بانتماءه الأجنبي.
وبداية
من 1962 عقد المؤتمر اليهودي الأمريكي سلسلة مؤتمرات وندوات مكثفة ليناقش ما سموه
بـ"خطر الاندماج"، وسط مخاوف أعلنها رئيس المؤتمر، يواخيم فرينتس، ووزير الخارجية الإسرائيلي، أبا
إيبان، من التباعد بين يهود الشتات في أمريكا وبين يهود إسرائيل[17].
وساعد
أصحاب نظرية "التعددية الثقافية والعرقية" على إحراز النجاح الهجرات
الكثيفة التي تدفقت بشكل غير مسبوق على أمريكا في الستينات والسبعينات- ولم تكن
عشوائية- وزالت فيها المحاذير عن هجرة بعض الشعوب الآسيوية كالصينيين، فتدفق عليها
اللاتين والآسيويين والعرب من كل ملة ودين، كل منهم يحمل أجندته الخاصة، ويشاركون
في علو نبرة "حق الاختلاف والتعددية"، وتدعمهم في هذا الشركات متعددة/متعدية
الجنسيات، والإعلام وأفلام هوليوود، وبعض الكنائس والمنظمات الموصوفة بالإسلامية.
تسويق فكرة التعددية في أمريكا (https://odyssey.antiochsb.edu/) |
▼▼▼أفول القومية والمواطنة
وعلى حس هذا ظهر في التسعينات ما تسمى
بـ"أفول القومية"، أو "التآكل" في القومية الأمريكية،
و"أفول المواطنة" ووصلت التعددية، وبمعنى أصح، التجزئة الثقافية
والسياسية بتعبير هنتنجتون، إلى رفع الهويات الفرعية فوق الوطن بل وحتى الهويات
النوعية مثل (رجل وامرأة) بتعبير هنتنجتون.
وأرجع هنتنجتون بنفس
حزينة محسورة هذا الأفول إلى كذا سبب:
1- تبني بعض عناصر
"الصفوة"- أي النخبة- لمذاهب التعددية الثقافية والتنوع.
2- المصالح الخاصة
التي رفعت الهويات القومية الفرعية العنصرية والإثنية والنوعية؛ بحيث تطغى على
الهوية القومية.
3- ضعف او غياب العوامل
التي سبق أن دعمت استيعاب المهاجرين واتجاه المهاجرين المتزايد للاحتفاظ بهويات
وولاءات وجنسيات مزدوجة.
4- تغلب لغة واحدة غير
إنجليزية بين المهاجرين، ومعظمهم من المكسيكيين، وتحويل أمريكا إلى مجتمع يتحدث
لغتنين وله ثقافتان.
5- تزايد الفجوة بين
التزامات قطاعات من "الصفوة" بالمواطنة العالمية والعابرة للقوميات،
وبين القيم التي ما زالت قومية ووطنية عالية بين الجمهور الأمريكي[18].
وصارت لغة هذه
"الصفوة" غاضبة من أي حديث عن قومية واحدة لأمريكا؛ فمثلا قدموا اقتراحات
لإعادة تعريف أمريكا، منها أن "أمريكا مكونة من عدد كبير من الجماعات العرقية
والإثنية المختلفة، أن كل جماعة من هذه الجاعات لها ثقافتها المميزة"، وأنه
"اقتضت العدالة والمساواة وحقوق الأقليات أن تتحرر هذه الثقافات المكبوتة،
وأن تشجعها الحكومات والمؤسسات الخاصة وتؤيد إحياءها"، وأن أمريكا "لا
يجب أن تكون مجتمعا له ثقافة قومية واحدة منتشرة، فالتشبيه بالبوتقة وحساء الطماطم
لا يف أمريكا الحقيقية، فأمريكا هي بدلا من ذلك فسيفساء أو صلصلة عادية، أو حتى
صلصة ممزوجة بالزيت والخل والليمون"[19].
وبدأ يطفو على السطح
ليس فقط صراع البيض والسود، بل حتى البيض من المهاجرين الإنجليز والبيض من غير
الإنجليز، إضافة للصراعات بين البيض واللاتين المكسيكيين، ومنافسات المهاجرين
الهنود والباكستان، والعرب واليهود، والبروتستانتك والكاثوليك، إلخ.
حتى أن عضوة مجلس
الشيوخ باربرا ميكولسكي شجعت هذا الصراع والتنافس بقولها: "إن اليهود
والكاثوليك يجب أن يكونوا إثنيين ضد الليبراليين البيض الزائفين، والناشطين السود
المزيفين، والبيروقراطيين المتعالين"[20]
وكان هوارس كالن اعترف بهزيمته في البداية، ثم
عاد في عيد ميلاده الـ 90 سنة 1972 ليقول منتشيا: "تستغرق أية فكرة حوالي 50
عاما حتى تشق طريقها وتنتشر، فلا أحد يحب الدخيل، ولا سيما إذا كان يقلب ما هو قائم
رأسا على عقب".
وكذلك وصل تأثير هوراس كالن إلى رأس البلد، فقد
رحب الرئيس بيل كلينتون (الحزب الديمقراطي) بـ"تحرير الأمريكيين من الثقافة
الأوروبية الغالبة"، ومقصود بها الثقافة الأنجلوساكسونية التي قامت عليها
أمريكا على مدى 300 سنة، وقال أيضا أن أمريكا تحتاج إلى "ثورة عظيمة"
ثالثة لتثبت أنها قادرة على البقاء دون ثقافة أوروبية مسيطرة، وفي رأي هنتنجتون
فإن هذه الثورة هي "التعددية الثقافية"[21]
التي تنبأ انها ستفجر أمريكا من الداخل.
المقالة القادمة (ج2) "مرحلة تفكيك أمريكا"
- "أوغاد"، "أشرار"، "موضة قديمة".. شتائم يصوبها أصحاب خطة "تفكيك أمريكا" للوطنيين
________________
بقلم: إفتكار السيد (نفرتاري أحمس)
مقالات لها صلة:
([1])-الشيطان أمير العالم، وليم جاي كار،
ت. عماد إبراهيم، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 2014، ص 149
([2])- النظام
العالمي الجديد كلمة ظهرت منذ 250- 300 سنة، وتتكرر كل فترة بنفس الكلمات كأنها
كلمة السر لبدء مرحلة جديدة من مخطط الناريين، فهي بعد 50 سنة ظهرت على لسان
الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بعد إسقاط الاتحاد السوفيتي لما أدى الغرض منه
للاشارة إلى إعادة تنظيم العالم بعد التخلص من القطبية الثنائية والدخول في مرحلة
القطب الواحد كمرحلة من مراحلة الحكومة العالمية الواحدة.
[4]- حتى سنة 1790 لم يكن
عدد اليهود سوى1500 يهودي من 4 مليون مسيحي في أمريكا، انظر "المسيح اليهودي-
المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا" رضا هلال، مكتبة الشروق، ط1، 2000،
القاهرة، ص 46- 48)
([6])- الجمعيات الخيرية المكلفة بتوطين اللاجئين
تبلورت فيما بعد في المفوضية العليا لشئون اللاجئين في الأمم المتحدة سنة 1950التي
تدعم توزيع اللاجئين على الدول المستهدفة كل فترة، إضافة لسلسلة أخرى من الجمعيات
مثل "الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين" ومنظمة كاريتاس الكاثوليكية
وغيرها، وكثير منها له نشاط في مصر، إضافة لجمعيات خيرية محلية.
فحين تدفق ملايين اللاجئين على مصر من بعد 2011، وهو عدد
غير مسبوق في تاريخنا، تلقفتهم بسرعة تنظيمات وجمعيات خيرية محلية ودولية، ووزعتهم
بطريقة مدروسة على المحافظات، ودعمت إيجاد فرص عمل وصار لهم أعمال تجارية ثرية في
كل شارع وحارة بسرعة البرق، وبطريقة تدعو للتساؤل، وكأن هذه الجمعيات كانت في
انتظارهم في وقت معلوم.
([7])- انظر: مخطط المتنورين، مرجع سابق، ص
26
***وحتى الآن تقوم سياسة الحزب الديمقراطي على فتح امريكا
أمام الهجرات من كل جنس؛ لأن أغلب داعميه من المهاجرين، وأصبح هذا موضع خلاف حاد
بينه وبين الحزب الجمهوري، خاصة بعد تولي دونالد ترامب الحكم 2016، ورفعه شعار
"أمريكا أولا"، ووضعه قيودا على الهجرة.
*** هذا النموذج كرروه في عدة دول، وفي مصر يؤسس من
يصفون أنفسهم بالحقوقيين المدعومين من الخارج جمعيات وحركات لما تصفه بدعم
المهمشين والمسيحيين والنوبيين وأهالي سيناء واللاجئين والمجنسين والمرأة وحرية
العقيدة إلخ
[9]- من نحن؟، صمويل هنتنجتون، ترجمة. أحمد مختار الجمال، المركز
القومي للترجمة، ط 1، القاهرة، 2009، ص 181- 182
[10]- نفس المرجع، ص 181- 183
[11]- انظر: الحروب والدين في الواقع الإسرائيلي (1967- 2000)، عبد الله الشامي، الدار الثقافية للنشر، ط1، القاهرة، 2005، ص 271- 272
[12]- نفس المرجع، ص 272
[13]- من نحن؟، صمويل هنتنجتون، مرجع سابق، ص 182- 183
[14]- نفس المرجع، ص 182- 183، وهو ما يذكرنا بالدعوات التي لم تنته
طوال أيام الاحتلالات- وحتى اليوم- لـ"تدويل مصر" بحجة أنها دولة
"لكل الأجناس"، وبزعم أن هويتها المصرية وحضارتها أصبحت
"بائدة"، وأنه رغم أن المصريين كعرق هم الأغلبية الساحقة حتى في ظل أعتى
الاحتلالات، لكن يلزمها قبول بقية الأعراق والأجناس، وليس الهدف من هذه الدعوة إلا
زرع وتخليد أجناس وطوائف بهويات أجنبية في مصر، تغرف من خيراتها ومناصبها، وفي نفس
الوقت تسخرها لخدمة هويا ومصالح أجنبية لبلاد أو تنظيمات تتبعها هذه الأجناس أو
هذه الطوائف، وبدون أن يوجه لها تهمة الخيانة، بل تمارس هذا تحت اسم "حق
التنوع والاختلاف"، و"التسامح"، ونظرية "التسامح
المصري"، وأن "مصر للجميع"، في حين يُلاحظ أيضا أن المنتمين لهذا
الفكر يحاربون بكل قوة الهوية المصرية الأصيلة (الكيمتية/الفلاحية) ويسعون لنفيها
وتقزيمها داخل مصر بكل السبل.
[15]- من نحن؟، صمويل هنتنجتون، مرجع سابق، ص 182 و193
[16]- انظر: الحروب والدين في الواقع الإسرائيلي (1967- 2000)، عبد
الله الشامي، مرجع سابق، ص 273
[17]- الحروب والدين في الواقع الإسرائيلي (1967- 2000)، عبد الله الشامي، ص 278
[18]- من نحن؟، صمويل هنتنجتون، مرجع سابق، ص 190
[19]- نفس المرجع، ص 230
[20]- نفس المرجع ص 231
[21]- نفس المرجع، ص 194، و230
0 التعليقات:
إرسال تعليق