التاريخ الميلادي

الجمعة، 24 نوفمبر 2023

وثيقة العهد الكيمتية.. الوصية الحارسة لمصر من الفوضى والاحتلالات

 في المقالة السابقة  نقلنا من الكتاب ما يخص أخطر عيوب مصر، وهو عدم معرفة المصريين بطبائع الشعوب الأخرى، ونسيان تاريخهم معها، وطمعهم فيها، وتجاربهم في غزوها، والآن نستعرض وصية الأجداد للتغلب على هذا العيب، والنجاة من الفوضى والاحتلالات.

 

 عين حور "وجات" وعن يمينها "نخبة" رمز الوجه القبلي وعن شمالها "واجيت" رمز الوجه البحري (مقتنيات توت عنخ آمون بالمتحف المصري) قلادة معبرة عن مصر التي سماها الأجداد "عين حور" ولأجلها انتصر حور على الشر

إن الآباء المؤسسين، أو ربما السماء، وضعوا لمصر الدواء لنقاط ضعفها السابقة، ومن هذا الدواء الوصية التي سجلتها نصوص الأهرام- وهي قلب قضية هذا الكتاب- بألا تفتح بواباتها (حدودها) للأجانب الطامعين فيها، والذين يحاولون غزوها، سواء من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، فالإله أسس هذه الحدود لحمايتها، ولعلمه بأنها مطمع الجميع.. وفي هذا إشارة لوجود حدود لمصر منذ أقدم العصور، والمصريون ملزمون بتحصينها ماديا ومعنويا.

فجاء في نصوص الأهرام ضمن "النشيد الوطني" السابق الإشارة إليه (في مقال آخر من الكتاب):

"إن البوابات التي فوقك كبوابات حامية.... إنها سوف لا تفتح للغربيين، إنها سوف لا تفتح للشرقيين، إنها سوف لا تفتح للجنوبيين، إنها سوف لا تفتح للشماليين، إنها سوف لا تفتح لهؤلاء الذين في وسط الأرض، إنها سوف تفتح لحورس"[1].

وفي ترجمة أخرى وكاملة لهذه الوصية، أو هذا العهد، قام بها هنري بريستد في كتابه "تطور الفكر والدين في مصر القديمة"، يقول النص:

التحية لك يا عين حور (مصر)

 التي زانها بكلتا ذراعيه

إنه لا يسمح لكِ (يا مصر) أن تصغي إلى أهل الغرب

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الشرق

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الجنوب

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الشمال

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى القاطنين بوسط الأرض

ولكن تصغين إلى حورس

إنه هو الذي زانك

إنه هو الذي شيدك

إنه هو الذي أسسك

إنك تفعلين لأجله كل شيء يقوله لكِ

إن الأبواب الموجودة عليكِ تستوي ثابتة مثل "إنموتف"

إنها لا تنفتح لسكان الغرب

إنها لا تنفتح لسكان الشرق

إنها لا تنفتح لسكان الشمال

إنها لا تنفتح لسكان الجنوب

إنها لا تنفتح للقاطنين وسط الأرض

إنها تنفتح لحورس

إنه هو الذي صنعها

إنه هو الذي أقامها

إنه هو الذي نجاها من كل سوء أوقعه "ست" عليها

إنه هو الذي أقام دعائمك [2]

فأمر الإله مصر أن تكون الأصول التي وضعها لها (ماعت) هي مرجعيتها، ولا تسلم نفسها للشعوب الكائنة وراء الحدود وثقافاتهم، فهو الأدرى بما يصلح لها؛ لأنه هو من أسسها ووضع قواعدها.

وهذه هي الوصية الصارمة الحارسة الخالدة بعدم استقبال وتوطين هجرات أو ثقافات أجنبية التي لمَّا خالفها الأجداد في بعض العصور، كان عقاب الله لمصر شديدا ومرعبا، بالخراب والاحتلال.

ولمس هذا مؤرخون قدامى، تأملوا في أسباب سقوط مصر المدوي قبل ميلاد المسيح، ونقل عنهم أ. ب، كلوت: "لو أن مصر استطاعت أن تقي نفسها شر الاتصال بالأجانب، أو لو كانت طبيعة وجه أرضها وشكل سطحها من الوجهة الحربية بحيث يصدان عنها الغارات الأجنبية، لما بقي شك في قدرتها على صيانة وجودها وإطالة أمد حياتها بما كان مسنونا لها من الأنظمة العالية والقوانين الحكيمة لتدبير مرافقها ومصالحها من كل نوع، ولكن مصر لا تملك من وسائط الدفاع الطبيعية عن كيانها ما يكترث به أو يُعتمد عليه (...) فهي بهذا الوصف فريسة سهلة ولقمة سائغة جذبت إليها من جميع النواحي عظماء الفاتحين الذين طالما طمحت أنظارهم إلى خيراتها الزراعية وموقعها الجميل بين 3 من قارات العالم".

 ويضيف: "لقد أدرك واضعو قوانينها القديمة هذه الحقيقة من بادئ الأمر، وحسبوا لعواقبها الحساب؛ فحرَّموا على الأمة المصرية باسم الدين كل اتصال بالأجانب أو اختلاط بهم؛ خشية أن يستفز هذا الاختلاط هؤلاء إلى محاولة الوقوف على أسرارها والعلم بمواطن ضعفها؛ فينشطوا إلى فتحها وامتلاكها، وطالما لبث فريق الكهنوت عزيز الجانب رهيب المقام بكثرة عدده وامتداد نفوذه، واستقرار صولته، فإنه كان يحول دون كل اتصال بالأجانب؛ فأمنت البلاد شرهم ووقت نفسها عاقبة أطماعهم، ولكن ملوك الأسرة السادسة والعشرين رأوا أن يلقوا عن عاتقهم نير النفوذ الكهنتي ويستبدوا بالأمر؛ فمهدوا السبل لذلك الإتصال الذي كانت عاقبته شرا وبالا على مصر؛ إذ بلغ بأحدهم وهو الملك أبساميتك الأول أن اتخذ لنفسه جندا من الإغريق والكارييين واليونانيين المجمكين[3]". والأسرة 26 من قبيلة أجنبية مستوطنة وليست أسرة مصرية.

وسنختبر دقة هذا التشخيص فيما سنقابله من أحداث، بين أمجاد تحلق بها مصر، وأصفاد تأسرها.

ولو أن الاتصال بالأجانب اقتصر على تبادل التجارة والعلوم لما كان فيه ضرر، أما وقد صمَّ حكام مصر وبعض مثقفيها آذانهم عن صوت الأجداد، وفتحوا البلد لاستيطان هجرات تسللت في أي ثوب، أو استقدموا الأجانب للتوظيف محل المصريين، واعتمدوا هويات أجنبية محل المصرية؛ فزلزلت هنا الأرض الطيبة زلزالها.

المصدر: كتاب "نكبة توطين الهكسوس" ج1، من ص 32- 34 (إفتكار السيد/ نفرتاري أحمس)
لتحميل الكتاب من هنا أو هنا

([1])- القومية وتعبيراتها عند المصري القديم حتى نهاية التاريخ المصري القديم، نجلاء فتحي شهاب، رسالة دكتوراة، كلية الآثار جامعة القاهرة 2012، ص 125- 126

([2])- تطور الفكر والدين في مصر القديمة، جيمس هنري بريستيد، ترجمة زكي سوس، دار الكرنك للنشر والتوزيع، القاهرة، 1961، ص 40- 45، وكلمة "إنموتف" المذكورة في "الأبواب الموجودة عليكِ تستوي ثابتة مثل إنموتف" تعني "عمود أمه" (نفس المرجع)

([3])- لمحة إلى مصر، كلوت بك، ترجمة محمد مسعود، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة 2011، ص 23- 24

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version