لما اكتملت الإمبراطورية في عصر تحوتمس الثالث، اختار أساليب دبلوماسية لربط البلاد المفتوحة أو الحليفة بمصر بخلاف السيف، وكان منها تربية وتعليم أولاد أمراء وحكام البلاد المفتوحة في مصر على التقاليد المصرية، والجواز من بناتهم، أو ما اشتهر باسم "الزواج الدبلوماسي".
راس نفرتيتي المنهوبة في برلين من سنة 1913 (الصورة: رويترز) |
وهو الجواز اللي إن كان حقق أهداف وقتية وقتها في تقليل التمرد أو الحروب بين مصر والبلاد المفتوحة، إلا إنه كان له دور في تخريب وتتويه الحضارة المصرية والعرش المصري فيما بعد، خصوصا وإن الجواز بأجنبيات بقى هدف في حد ذاته عند بعض خلفاء تحوتمس التالت، مش بس غرض سياسي، وبالنسبة لبعض ملوك ميتاني والحيثيين والبابليين كان هدفه- جنب الاستقوا بمصر على أعدائهم، عمل "اختراق" في نظام الحكم المصري، وكسب نفوذ[1].
فبعد
انتصار تحوتمس التالت على ميتاني، وتقسيم مناطق النفوذ في بلاد الشام بينهم، اتجوز
3 أميرات من الشام، وابنه تحوتمس الرابع اتجوز من عيلة أرتاتاما ملك ميتاني (شمال
سوريا)، وحفيده أمنحوتب التالت اتجوز الأميرة كيلوحيبا بنت الملك الميتاني
شوترانا، وبعدها بتادوحيبا بنت الملك الميتاني توشراتا، وببنت ملك بابل كاداشمان
إنيليل الأول، وإخناتون من بنت الملك البابلي بورنابورياش، وربما من تادوحيبا بعد
وفاة والده أمنحوتب التالت، ومن أكثر المسرفين في الزواج من أميرات أجنبيات رمسيس الثاني،
فاتجوز أميرات من بابل[2]
وبلاد الحيثيين، وقلد الموظفين الكبار الحكام في الجواز بأجنبيات من البلاد
المفتوحة أو الحليفة.
وربط
علماء مصريات بين تادوحيبا الميتانية وبين نفرتيتي مرات إخناتون المشهورة، من غير
أي دليل أثري، إلا إنه نفرتيتي مش معروف لدلوقت مين أبوها، فاقترح بعضهم إنه
احتمال تكون الشخصيتين واحد، وهو ربط مبالغ فيه، لأن إخناتون اتجوز من أكتر من
واحدة.
وفي كتابه "رسائل عظماء الملوك في الشرق
الأدنى في العصر البرونزي المتأخر"، اللي رصد الرسايل المتبادلة بين حكام مصر
وحكام ميتاني وبابل وآشور والحيثيين، ومن ضمنها الخاص بالجواز الدبلوماسي، قال تريفور
برايس عن مصير تادوحيبا بعد وفاة جوزها أمنحوتب التالت (أبو إخناتون) إنه "يبدو
أن أخناتون نقلها إلى جناح الزوجات".
وإنه: "افترض كثير من الباحثين أنها أصبحت
الزوجة الثانية في ترتيب الأهمية (بعد الزوجة الرئيسية نفرتيتي)، وأنها أصبحت تحمل
لقب واسم "المحبوبة جدا" كيا، ويترتب على ذلك الافتراض احتمال جدلي،
فبما أنه من المعروف أن نفرتيتي أنجبت من زوجها أخناتون ست بنات ولم تنجب له ذكورا،
فإن ذلك يدفع بافتراض أن كيا هي من أنجبت توت عنخ آمون"[3].
وأضاف: "ويتساءل بروفيسور مورنين مشيرا إلى
التوتر الدائم بين بنات نفرتيتي والأميرة كيا: هل كانت جريمة كيا أن فازت في
التنافس وأنجبت ما عجزت الزوجة الرئيسية الأولى المفضلة عن إنجابه، أي وريثا ذكرا؟"،
ويتابع برايس: "وإن كانت كيا هي بالفعل الأميرة الميتانية تادوحيبا، فإن ذلك
كان يمثل سببا إضافيا للعداوة بين بنات تفرتيتي وبينها، أي أنها كانت بالنسب لهن
امرأة أجنبية غريبة وهبت أباءهن وريثا ذكرا، وهو ما فشلت أمهن به، ولم تقدر على
تحقيقه، ويترتب على صحة ذلك الافتراض أن توت عنخ آمون نصفه حوري، وأن جده لأمه هو
الملك الميتاني توشراتا- عدو الحيثينيين الرئيسي"[4].
والافتراض ده، وهو لسة علميا محصور في إنه
افتراض، يحتاج دليل أثري ثابت على صحته، خصوصا إن التقليد المصري إنه أولاد
الأجنبية مش بيكونو حكام لمصر.
وكل ما يدور حوالين مصير تادوحيبا بعد وفاة
جوزها أمنحتب التالت هو في دايرة الافتراضات والتخمينات، وجوازها بإخناتون برضو
مجرد افتراض، ووراه إنها اختفت باسمها المعروف "تادوحيبا" وفاة أمنحتب
التالت، فلبسو اسمها لمرات إخناتون المعروفة بنفرتيتي، رغم إن اختفاء اسم الزوجة
الأجنبية طبيعي بيتكرر، لأن أهمية الزوجة الأجنبية بتروح لما جوزها بيتوفى، خصوصا
إنها في أكتر الأحوال بتكون زوجة ثانوية ومش بيتسمح لها تقوم بدور مهم.
وفي كتاب "تاريخ مصر القديمة" لعالم
المصريات نيكولا جريمال قال: "فقد تزوج "إخناتون" ابنة خاله
"نفرتيتي".. وهي ابنة "آي" و"تي" الثانية، أي
حفيدة "يويا" و"تويا"، ومن الجلي إذن أن حضور عائلة أخميم لعبت
دورا مؤثرا في قلب أحداث العمارنة، كما استمر من خلال "موت نجمت" أخت
"نفرتيتي" وزوجة "حور محب"[5].
من كتاب تاريخ مصر القديمة لنيكولا جريمال |
وفي كتاب"رؤى جديدة في تاريخ مصر
القديمة"، قال الدكتور رمضان عبده علي عن جواز إخناتون: "اختار زوجة لم
تكن تمت بأية صلة للعائلة المالكة، وكات تسمى نفرتيتي، ويبدو أنها كات ابنة أحد
كبار النبلاء المصريين وكان يدعى "آي" والذي سوف يحمل فيما بعد اسم
"آي، حما الملك"، أما عن أمها فقد توفيت، وكانت الزوجة الثانية لآي،
وتسمى تي، وكان يطلق عليها "المرضعة الكبرى" أو "الأم المرضعة
للملكة".
وأن إخناتون "يتخذ فيما بعد زوجات أخريات،
من بينهن أميرة ميتانية تسمى "تادوهيبا" ابنة أخت جيلوهيبا الأولى التي
تزوجت من أمنحتب الثالث" والد إخناتون.
ويعقب الدكتور
رمضان بأن "ظن بعض العلماء أن
تادوهيبا هذه ما هي إلا نفرتيتي، وأن آي قام بتربيتهما- ولم يكن أباها الفعلي-
ولكن أثبتت سمات وملامح نفرتيتي عكس ذلك، فهي مصرية- ويمكن استنتاج ذلك بملاحظة
رأس تمثالها الشهير الموجود الآن في متحف برلين، وأيضا نلاحظ أن اسمها من الأسماء
المصرية الصحيحة التي تشير إلى المعبودة الجميلة حتحور "الجميلة آتية أو
قادمة"[6].
ورغم إن القول بإن "آي"
و"تي" التانية هما أب وأم نفرتيتي برضو هو افتراض، إلا أنه أقوى من
الافتراضات الخاصة بنسب نفرتيتي لدولة أجنبية، خصوصا إنه اتلقى ضمن ألقاب "تي
التانية"، أنها "مرضعة" نفرتيتي، فيما معناه إن نفرتيتي مولودة في
مصر.
▼▼▼ فرصة للأكراد
ورغم إن الأصل اعتبار نفرتيتي مصرية لأن سيرتها كلها بتدور في مصر، واتوجدت في مصر، وبقت الزوجة الرئيسية، والاسم مصري إلخ، يعني كلها دلائل إن الأرجح إنها مصرية، ومفيش أي أثر اتلقى لحد دلوقت يقول إنها ميتانية أو من أي ملة أجنبية تانية، إلا أنه جماعات بين الأكراد في العراق وسوريا، أو جماعات سورية عموما، مسكت في "الافتراض" القديم اللي حطه بعض علماء المصريات بإنه ممكن تكون نفرتيتي هي تادوحيبا، في نشره في مواقعهم وبين شعوبهم على إنه "حقيقة" و"يقين".
ونسجو عليه قصص، وصلت لدرجة اعتبار نفسهم أصحاب فضل على
الحضارة المصرية، وإن الأكراد أو السوريين هما اللي نقلو لمصر فكرة التوحيد، ومنهم
اللي أخد نفرتيتي ضمن الرموز الرسمية لشعوبهم، ونادر ما بيشيرو في كتاباتهم إلى
إنه الربط بين تادوحيبا ونفرتيتي هو مجرد "افتراض شفوي"، وإن الاتجاه
الحالي لعلماء المصريات إلى إنهم شخصيتين مختلفين عن بعض.
وهنعرض أمثلة على الكتابات في مواقع كردية
وسورية، والشطحات اللي وصلت ليها في السنين الأخيرة، خصوصا وسط حُمى التنافس بين
الأكراد والسوريين في إثبات أو نفي الوجود الكردي القديم في بلاد الشام، ووسط
محاولات الأكراد إثبات وجود حضاري ليهم بنسب نفسهم لمملكة "ميتاني"
البائدة، ولمملكة "ميديا"، ولمملكة كاشو (التلاتة اتوجدو لفترات قصيرة
في شمال العراق وسوريا)، خصوصا إن الممالك التلاتة اتمسحو من على وش الأرض، وما سابوش
آثار حضارية كتيرة ولا مميزة عن جيرانهم العراقيين وشعوب بلاد الشام.
وعلى ده فإنه من السهل إن الأكراد لإثبات وجود
تاريخي قديم ليهم، وإنهم أصحاب "حضارة" زيهم زي السوريين والعراقيين
والمصريين، إنهم ينسبو نفسهم لممالك ما لهاش وريث أو أمناء عليها، وفوق ده نسب
نفسهم لمملكة ميتاني خلاهم يتقوو أكتر بإنهم كانو "ند" للمصريين، وأحيانا
"أقوى منهم"، وأصحاب "فضل" حضاري، فيزيد تماسكهم كقبايل كردية
من ناحية، ويزيدو في قوة تنافسهم مع السوريين والعراقيين والأتراك في صراعهم
المعروف لعمل ما يسموه بـ"دولة كردستان الكبرى".
فتحت عنوان "الأميرة الميتانية نفرتيتي
ملكة في مصر" بتاريخ 2- 5- 2015، يقول كاتب اسمه "الدكتور خليل
أحمد" في موقع باسم "مجلة أفشن" الكردي، إن : "علاقة الكُرد بمصر
قديمة، وهي لا تقتصر على بعض مشاهير الكُرد في مصر، منهم الأديب أحمد تيمور، والمفكّر
قاسم أمين، والشاعر أحمد شوقي، والمفكّر الأديب عبّاس محمود العقّاد، وآخرون، ولا تقف
أيضا عند أسرة محمد علي باشا الكردية التي حكمت مصر بين (1705 – 1953 م)، ولا عند الأسرة
الأيّوبية الكُردية التي حكمت مصر بين (1171 – 1250 م)، علاقة الكُرد بمصر ترجع إلى
حوالي منتصف الألف 2 ق.م، حينذاك كانت توجد مملكتان متجاورتان لأسلاف الكُرد، ولهما
علاقة مصاهرة مع فراعنة مصر".
وقال عن نفرتيتي:
"وطوال ثلاثة أجيال تعزّزت الصداقة بالمصاهرة بين الأسرتين المالكتين في مصر وميتّاني،
وثمّة معلومات بأن أمّ الملك آمُونْحُوتَب الثالث كانت ميتّانية، وتزوّج هو نفسه بأكثر
من واحدة من أميرات ميتّاني، وحضرت إحداهن، وهي چيلو- خِيپا (گِلو خِيپا)، ومعها جَهاز
ضخم قيّم و(317) وصيفة، وتزوّجت معظم الوصيفات من كبار المسؤولين المصريين". و"إن
آمُونْحُوتَب الثالث زوّج ابنه ووليّ عهده آمُونْحُوتَب الرابع (أخناتون) من الأميرة
الميتّانية تادو خِيپا التي اشتهرت في مصر بلقب (نَفَرْتِيتي)"، وأنه "كان
تأثير الملكة الفاتنة نفرتيتي في زوجها أخناتون شديداً، وكانت قد أنجبت منه سبع بنات،
ولم تنجب وليّاً للعهد، ومع ذلك لم يتزوّج أخناتون امرأة أخرى، مع أن القانون كان يجيز
له ذلك، وآثر أن يظل وفيّاً لنفرتيتي".
وفيما يخص عبادة إخناتون لـ"آتون" قال
المقال: "ومعروف أن الحوريين- بمن فيهم الميتّان- كانوا من أتباع الديانة الشمسانية،
ويبدو أن أخناتون تأثّر بأمه وزوجته الميتّانيتين، وأدخل العقيدة الشمسانية إلى مصر،
وكان لزوجته نفرتيتي دور في ذلك"[7].
من موقع مجلة أفشن الكردية |
ولتصحيح أمثلة للأخطاء التاريخية الكتيرة في
المقال، فمعلوم إن إخناتون اتجوز غير نفرتيتي، ومعلوم إن أم إخناتون
"تي" مرات أمنحوتب التالت مصرية 100% مش ميتانية، ومعلوم إن اعتماد
المصريين الشمس كرمز مقدس في عبادتهم سابق على وجود ميتاني من أصله، لأنها هي
الرمز لـ"رع"، وبعده لـ"آتون" الموجود في الديانة المصرية من
قبل إخناتون.
فينشر
الدكتور سليم حسن في "موسوعة مصر القديمة" أن لوحة
اتلقت في معبد "أمنحوتب التاني"، واتعملت في عصر ابنه تحوتمس الرابع (جد
إخناتون)، فيها قرص شمس مجنح، إلا إنه يختلف عن قرص الشمس المجنح المشهور في كل
الأزمنة المصرية السابقة بإنه "زُوِّد بذراعين ويدين آدميتين ممسكتين بطغراء عظيمة
كأنهما تحميانه"، و"الواقع أن قرص الشمس المجنح يتألف في العادة من قرص الشمس
يكتنفه صِلَّان، ومُزوَّد بجناحين، ولكنا لم نعرف قط على حسب ما وصلتْ إليه معلوماتنا
أنه كان يُزوَّد بذراعين بشريتين، فهل معنى ذلك أن هذه أول محاولة لنشر مذهب عبادة
"آتون"، أو أن هذا الرسم كان من نسج خيال المفتنِّ الذي رسم اللوحة؟ ويخيل
إليَّ أن النظرية الأولى هي التي تقرب من الحقيقة؛ وذلك لأن اللوحة كانت قد نقشت في
عهد ليس ببعيد من عهد انتشار مذهب "آتون"، وأعني بذلك عهد "تحتمس الرابع"،
وإذا كان هذا الفرض صحيحًا برهن لنا ذلك على أن "آتون" لم يكن إلهًا أُتِي
به من بلاد "سوريا" كما يظن البعض، ولكنه كان إلهًا مصريًّا خالصًا".
واستدل بإن اسم "آتون" نفسه اتذكر في
عهد تحوتمس الرابع، في نقش على جعران، وورد مرتين على إنه المعين لتحوتمس في حربه
ضد الأجانب، فيقول: "وإذا أيقظ نفسه للقتال "وآتون" أمامه، فإنه يُخرِّب
الجبال ويطأ الأراضي الأجنبية زاحفًا إلى "نهرين" وإلى "كاراي"
(آخر الحدود الجنوبية) ليُخضِع سكان الأقاليم الأجنبية مثل رعاياه لحكم "آتون"
أبد الآبدين".
واعتبر سليم حسن إن "آتون" ما هو إلا اسم جديد أو صورة جديدة لـ"رع"، خصوصا إن الاتنين بيشتركو في إن رمزهم هو الشمس[8].
لوحة لإخناتون ونفرتيتي وفوقهم قرص الشمس رمز "آتون" (متحف برلين) |
▼▼▼تكريد نفرتيتي.. سياسة حزبية
وأخد ضم نفرتيتي للأكراد سياسة حزبية ورسمية بين
الأكراد، مش مجرد محاولات فردية، فمثلا نشر موقع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بتاريخ
25- 3- 2019 خبر عنوانه "العرض الأول
من فيلم نفرتيتي الوثائقي السينمائي".
وجه فيه إنه "تحت رعاية هيئة السياحة والآثار
عُرض لأول مرة فيلم نفرتيتي السينمائي، في جامعة روج آفا بمدينة قامشلو (القامشلي
في شمال شرق سوريا)".
وإن الفيلم "مثّل فيه حوالي (80-90) ممثلاً،
ودام العمل ما يقارب فترة (5) أشهر"، و"تدور أحداث الفيلم حول الملكة نفرتيتي
وهي أميرة ميتانية الأصل، تزوجت من حاكمِ مصرَ درءً للخطر المتبادل بين الميتانيين
والفراعنة في مصر، وهناك استطاعت نفرتيتي الجميلة بحنكتها وذكائها توحيد ديانة مصر
بعد أن كانوا يعبدون الأصنام، ويبرز الفيلم تاريخ الملكة".
وتحت
عنوان فرعي "تاريخنا أكبر اعتزاز لنا"، قال مخرج ومعد سيناريو الفيلم
آلان روج:
"إنه من المزمع أن يُعرض في مدن الشمال السوري
كلها من ديريك حتى منبج والرقة والطبقة ودير الزور، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المعنية
في المناطق المذكورة"، و"هدفهم من هذا الفيلم؛ هو التعريف بتاريخ المنطقة،
وبتاريخ الكرد وكردستان المهمش، وحقيقة هذا الشعب المخفية بين طيات تاريخنا المهمش"،
خصوصا وأن "ثورة 19 تموز أتاحت لنا فرصة إحياء تاريخنا، بأنه؛ مَن نحن؟ وما هو
تاريخنا؟".
وأنهم: "اعتمدوا
على (25) مرجع من المعلومات التي جمعها العلماء والمؤرخين عن تاريخ نفرتيتي"[9].
من موقع حبز الاتحاد الديمقراطي |
ففي
الخبر اعتبر أكراد إنهم هما أخرجوا مصر من عبادة الأصنام، وإن عدم وجود أي أثار تثبت وجود دولة أو شعب كردي بالتزامن مع تاريخ
الحضارة المصرية القديم كان مجرد "تهميش"، و"إخفاء" للتاريخ
الكردي العظيم، وإنه عن طريق نفرتيتي- اللي حياتها وأحداثها كلها في مصر مش في
ميتاني- هيقدرو يجاوبو على سؤالهم: "من نحن وما هو تاريخنا؟"، وإنه اعتمد
في ده على 25 مرجع للعلماء.
لكن ما لاحظشي في الـ 25 مرجع إن أي ربط بين
نفرتيتي وميتاني هو ربط افتراضي شفوي من غير أي دليل، وإن الآراء المنتشرة برضو في
مراجع للعلماء إنها مصرية أقوى من الربط بينها وبين ميتاني.
▼▼▼صحافة في مصر تسوق
للحلم الكردي
ودخل
على الخط مواقع وصحف بتصدر في مصر، تسوق لطموح الكرد بإن نفرتيتي ميتانية، بل ونسب
كتير من الثقافة المصرية للأكراد، فمثلا نشر موقع جرنان "الوطن" تقرير عنوانه
"تتعرض لقصف تركي.. هل تنحدر الملكة
نفرتيتي من "رأس العين" السورية؟" في 10- 11- 2019، عن أحداث الحرب
بين الجيشين السوري والتركي في مدينة رأس العين (في شمال سوريا قريبة من القامشلي)،
وربط بين المدينة وبين تاريخ مصر في شخص نفرتيتي، وقال: "إلا أن "رأس العين"
قد تعود علاقتها بالمصريين وتاريخهم إلى ما هو أبعد من ذلك، وسط معلومات يتم تداولها
بشأن أصول الملكة نفرتيتي واحدة من أقوى النساء في تاريخ مصر القديمة في الأسرة الثامنة
عشر الشهير، وحماة توت عنخ أمون؛ إذ تقول المعلومات إن "نفرتيتي" تنحدر من
أصول كردية تعود إلى "رأس العين" شمال شرق سوريا".
وعمل الموقع حوار مع اللي وصفه بكاتب صحفي سوري كردي
اسمه محمد أرسلان، قال فيه إن: "مدينة رأس العين اسمها التاريخي واشوكاني، وهي
مدينة نفرتيتي تنحدر منها وولدت فيها"، وأنه "تم تزويج ابنة الإمبراطور الميتاني
وهي نفرتيتي إلى الفرعون المصري أمنحوتب الرابع الذي هو إخناتون".
ومع المساحة العريضة اللي وفرها الموقع للكاتب "السوري الكردي" في عرض وجهة نظره، خصصت 3 سطور للدكتور زاهي حواس، للرد عليه، وقال الموقع: "بدوره لم ينف أو يؤكد عالم الآثار المصري والوزير الأسبق الدكتور زاهي حواس صحة هذه المعلومات، وقال، في تصريح مقتضب لـ"الوطن"، إنه "لا يوجد أي دليل على هذا الموضوع"[10].
ومن غير ما يشرح
التقرير مصدر اللبس أو أصل حكاية نسب نفرتيتي للميتانيين.
وفي موقع تاني اسمه "الميدان" محسوب
إنه مصري، عمل حوار مع واحد كردي، ونشره في 26-5- 2018 تحت عنوان "فى حوار لـ"الميدان"..مؤرخ
دولي يفجر مفاجأة: الملكة نفرتيتي ليست مصرية !".
وقال الموقع إن هدفه من الحوار تعريف المصريين بالأكراد،
والقضية الكردية، وعلاقتهم بالحضارة المصرية، والمصريين المشاهير اللي وصفهم إنهم
"من أصول كردية".
وفي
الحوار قال اللي وصفه في العنوان بـ"المؤرخ الدولي"، وفي الحوار
بـ"المفكر الكردي المعروف" برادوست ميتاني ، إن "مصر فيها 5 مليون
كردي"، وإن "الكشري أكلة كردية وليست مصرية"، و"الكمنجة"
كردية جابها الأكراد لمصر، وإن "الشيخ
عبد الباسط عبد الصمد وسعاد حسني وأحمد رمزي وأحمد شوقي ومحمد علي أكراد"،
وإن "الميديين أجداد الأكراد".
وعن
التاريخ القديم قال إن المصريين "فشلوا في إخضاع الميتانيين"، وإن
الميتانيين كان لهم "الانتصار على المصريين في معركة قادش"، و"اضطر
الفراعنة إلى الاعتراف بقوة الميتانيين الهوريين والتعامل معهم سلميا وتتويجها
بعلاقات مصاهرة"، ومنها "أراد الفرعون الكهل أمنحوتب الثالث الزواج من
كلوخيبا "نفرتيتي" ابنة الملك الميتاني أرتاتاتا ولكنه توفى لذا تزوج
منها ابنه أمنحوتب الرابع"، وإن اسم نفرتيتي اسم كردي أصله " أفرتيتيتي".
وإنها
لما جات مصر "وجدت عقيدة خاطئة تمارس من قبل الكهنة والفرعون الذي يجعل نفسه إله
على الارض وأمون إله في السماء وذلك ماهو منافيا
لعقيدتها . نجحت نفرتيتي في هداية الفرعون
إلى معرفة الإله الأوحد في السماء وهو آتون".
ولإثبات
استمرار ما يعتبروه الوجود الحضاري للكرد رغم محو مملكة ميتاني من الوجود خلال
حروبها مع جيرانها الحيثيين والآشوريين، نسب الكرد نفسهم لمملكة تانية بائدة اسمها
"ميديا"، وقال إن "ميديا" هي اللي قضت على إمبراطورية آشور واتسببت
في زوال الوجود العسكري المصري من بلاد الرافدين نهائيا.
واعتبر
إن الكرد هما أصحاب "الدور السياسي الريادي للمنطقة"، فلما سأله الصحفي
عن سبب غياب العلاقات المصرية مع الأكراد في العصر الحديث قاله: "بسبب غياب الدور
السياسي الكردي الريادي للمنطقة في ظل قوى غريبة احتلالية كالفرس واليونانيين والروم
البيزنطيين والرومان غابت العلاقات الكردية المصرية ولكنها ظهرت أيام الفاطميين"
ثم أيام الأيوبيين، وإن صلاح الدين خلق في مصر "دولة المواطنة"، ولحد ما
جه محمد علي "كردي الأصل" حسب الحوار[11].
والرد
على كل الشطحات اللي في الحوار هياخد مقالات مش مقال واحد، لكن يكفي الإشارة مثلا إلى
إنه بخلاف معظم كلامه مفيش عليه دليل أثري أو تاريخي، فإنه يظهر بشكل واضح الرغبة
في صناعة تاريخ كردي في جوف التاريخ، وتخيل حلم إن الأكراد كان لهم "دور
ريادي" فاق الدور المصري والآشوري في المنطقة، وإنهم أصحاب الأثر الأكبر في
التاريخ القديم والحديث، وحتى هما اللي دخلوا لمصر "الكشري"
و"الكمنجة".
أما
من المعلومات الحقيقية القليلة اللي قالها في الحوار فهو إن الحكومة المصرية حاليا
"تسمح إلى حد ما بنشاط سياسي وثقافي لكرد
سوريا على أرضها"، فللأسف إنه فعلا الحزب الديمقراطي الكردستاني له مكتب في
مصر، ومن خلاله بيعملو علاقات متينة بصحف ومواقع في مصر، تنشر دعايتهم التاريخية
لنفسهم، والأكاذيب، كأنها مجرد بوق دعاية للأكراد، بغض النظر عما فيها من سرقة للتاريخ
المصري، والروح الاحتلالية الواضحة في أحلام الأكراد.
وفي
نفس يوم نشر الحوار في موقع محسوب على مصر، اتلقفه موقع كردي اسمه "ستونا
كورد" ونشره.
من موقع "ستونا كرد" |
إلا
إنه اتلقى أكراد قليلين ما نسبوش نفرتيتي للأكراد، ومنهم كاتب اسمه جان كرد، فقال
في روايته "حزن الأميرة الميتانية"- بحسب ما نشره موقع
"جيرون" في 29- 11- 2017 تحت عنوان "جان كرد في روايتة حزب الأميرة
الميتانية" إن نفرتيتي مصرية وبنت ظابط مصري، أما الأميرة الميتانية اللي
بتدور حواليها الرواية فاسمها دوتي خيبا، وهي ضرة نفرتيتي.
ولكنه استمر في تعظيم الميتانيين على حساب
المصريين، بإنه صوَّر نفرتيتي على إنها ضرة غلاوية وظالمة، فلما ولدت ضرتها
الميتانية ولد أمرت إنه يترمي في البحر، فلما عرف الملك الميتاني بعت بطل الرواية
"لاوي هوري" ومحارب معاها عشان يدورو على حفيده وينقذوه، وتنتهي الرواية
لإنهم لقوا الحفيد، وأخدوه وأمه الميتانية ورجعوهم لميتاني بعد رحلة من المغامرات
والبطولات الأسطورية اللي عملوها في طريقهم ما بين ميتاني ومصر[12].
تشويه كردي لنفرتيتي |
▼▼▼سوريين على الخط
ودخل على الخط سوريين في مدن سورية تانية، ومنها
مدينة حماة (وسط سوريا وأقرب للغرب، بعيدة جدا عن مدن القامشلي ورأس العين)، ونسبو
نفرتيتي للسوريين عامة، وللحمويين بشكل خاص.
فتحت عنوان "نفرتيتي" ذات أصول سورية "،
نقل موقع "سيريا نيوز" في 3- 5- 2007 أن مهرجان "الربيع" في
دورته العاشرة في مدينة حماة أعلن إن "الملكة الفرعونية "نفرتيتي"
تعود أصولها إلى منطقة حماة".
وإن المنظمين
للمهرجانات عملو في الافتتاحية "موكب العربة الملكية للملكة نفرتيتي
"ذات الأصول الحموية" يسير خلفها عناصر حرسها الخاص بلباسهم التقليدي".
من موقع "سيريا نيوز" |
والمهرجان ما هواش حاجة استثنائية، لكن بيحضره
مسئولين رسميين، بخلاف إنه موسم سياحي مهم للتجار وأصحاب الفنادق إلخ[13].
وكان لافت التعليقات على الخبر، وأكترها من
سوريين، ما بين مصدق للكلام، وما بين اللي سخروا منه، خصوصا إنه بخلاف مفيش أي
دليل على إن نفرتيتي سورية، فكمان الخبر اختار مدينة حماة تكون أصل ليها كلون من
الدعاية.
ودخل على الخط مع الحمويين جماعة السريان،
والسريان هما جماعة بتقول على نفسها إنهم هما السوريين الأصليين والأقدم في بلاد
الشام، وبينسبو لنفسهم كتير من الإنجازات الحضارية في العراق والشام وكمان في مصر.
وفيما يخص نفرتيتي، كتب موقع "مجلة
السريان"، بتاريخ 5- 9- 2019، مقالة بعنوان "أنا الملكة نفرتيتي من أصول
سورية مثلكم ".
والمقالة متجابة كأنها على لسان نفرتيتي بتكلم
السوريين، ومن اللي جه فيها: "اسمي ﻣﻌﻨﺎﻩ (مثل وهج الشمس) وهي تعني أجمل من نزل
على الأرض، هذا الاسم دائماً يثير الإعجاب ولكن من انا، انا ملكة مصر الفرعونية لفترة
من الزمن لي تمثال نصفي من الذهب الخالص موجود في متحف اللوفر في فرنسا، ﻳﺮجع أصلي
إلى شمال شرق سورﻳﺔ وتحديداً مابين نهري دجلة والفرات حيث نشأت أول حضارة في العالم
سبقت الحضارة الفرعونية ذاتها، وعرفت المملكة التي أنشأت هذه الحضارة بإسم مملكة (ميتان)
ونسبت إلى الحضارة الميتانية"[14].
وبخلاف
شطحات زي إن الميتانيين هما اللي عرَّفو المصريين بـ"آتون"، فكمان قال
المقال إن مملكة ميتان أقدم من الحضارة المصرية، رغم إن ميتان ما ظهرتش على الساحة
العالمية إلا في عصر الأسرة الـ 18 المصرية، وانتهت من الوجود خلال أقل من 300 سنة.
من مجلة السريان |
▼▼▼السود والبيض في السبق
برة بلاد الشام
الحالية والأكراد، دخل في حلبة السبق حوالين أصل نفرتيتي الأفارقة السود
والأوروبيين البيض.
فتحت عنوان "كيف أصبحت بشرة نفرتيتي بيضاء؟"،
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 13- 2- 2018 أن برنامج
"توداي شو" على شبكة "إن بي سي" الأمريكية "أثار جدلا كبيرا
بين كثيرين بعد أن عرض نسخة ثلاثية الأبعاد لتمثال رأس الملكة المصرية الفرعونية نفرتيتي
ببشرة بيضاء، وهو التصور الذي يستند إلى نتيجة دراسة حديثة أجراها عالم مصريات في جامعة
بريستول البريطانية رجحت أن الملكة الفرعونية كانت بيضاء البشرة خلافا للاعتقاد السائد
بأنها كانت ذات بشرة إفريقية سمراء"[15].
واللافت إن اللي
استند عليه عالم المصريات أيديان دوسون في بحثه كان هيكل عظمي لست مجهولة في مقبرة أمنحتب التاني مفيش أي دليل
على إنه نفرتيتي، فمكان دفن نفرتيتي هو من أشهر الألغاز اللي بتحير علماء
المصريات لحد دلوقت.
الجواب هو إنه معلوم إن الجواز بالأجنبيات منتشر
من عصور بعيدة بين بلاد العالم، فلو كان ده لازم يترتب عليه حقوق أو نصيب في الحضارة، لكان كل بلاد
العالم ليها حقوق على بعضها، وليها نصيب في حضارة بعضها، وتستسهل العدوان عليها بحجة إن لها نصيب فيها، ويتنسف جهد وتعب الأجيال من
أولاد البلاد أصحاب الحضارة اللي أسسوها وبنوها.
وبخلاف ده فمعلوم إن الزخم والانبهار اللي حوالين نفرتيتي في العالم سببه الأساسي إنها جاية من الحضارة المصرية، وملامحها ولبسها المصري، والنحت البارع لتماثيلها في مصر، وفن مصر، واللي اتلاقاش له أي مثيل أو شبيه في كل البلاد التانية اللي بتنسب نفرتيتي ليها، أما نسبها لأي شعب برة مصر فمش هيضيف ليها أي أهمية، ويمكن ينقص منها في نظر العالم.
لكن السؤال الأهم: إيه هو المستوى الحضاري والأخلاقي لشعوب لما تحب
تلاقي لنفسها وجود في جوف التاريخ، أو رمز مهم تتفاخر بيه بين الأمم، تلجأ لحضارات
غيرها وبلاد غيرها؟
رأس نفرتيتي المنهوبة أهم أثر معروف في متاحف ألمانيا |
المراجع:
[1]- تفاصيل في: موسوعة مصر القديمة، ج5، سليم حسن،
الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1992، ص 251- 256
[2]- رسائل عظماء الملوك
في الشرق الأدنى القديم، تريفور برايس، ت. رفعت السيد علي، دار العلوم للنشر والتوزيع،
ط1، القاهرة، 2006 ص 66-67، و 105، و161- 169، و 181-186
[3]- نفس المرجع، ص 186- 187
[4]- نفس المرجع، ص 187
[5]- تاريخ مصر القديمة،
نيكولا جريمال، ت. ماهر جويجاتي، دار الفكر لدراسات والنشر والتوزيع، ط2، القاهرة، 1993، ص 287
[6]- رؤى جديدة في تاريخ
مصر القديمة، رمضان عبده علي، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة (غير مؤرخ)، ص 280-
281، والإشارة للقب "تي الثانية"
بإنها مرضعة الملكة نفرتيتي ورد في موسوعة مصر القديمة، ج5، سليم حسن، مرجع سابق، ص 560
[7]- تحت عنوان "الأميرة الميتانية نفرتيتي ملكة في مصر"، أحمد خليل، مجلة آفشن، 2- 5- 2015، https://kurdsyria.wordpress.com/2015/05/02/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AA%D9%91%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D9%8E%D9%81%D9%8E%D8%B1%D9%92%D8%AA%D9%8A%D8%AA%D9%8A-%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D9%81
/
[8]- موسوعة مصر القديمة، ج5، سليم حسن، مرجع سابق،
ص 14- 15
[9]- العرض الأول من فيلم
نفرتيتي الوثائقي السينمائي، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، 25-03-2019
http://pydrojava.net/arabic/archives/48385
[10]- تتعرض لقصف تركي..
هل تنحدر الملكة نفرتيتي من "رأس العين" السورية؟، محمد حسن عامر، 10-11- 2019
https://www.elwatannews.com/news/details/4412275
[11]- فى حوار لـ"الميدان"..مؤرخ
دولي يفجر مفاجأة: الملكة نفرتيتي ليست مصرية !، محسن عوض الله، 26- 5- 2018
https://www.elmydannews.com/news/67472/26-5-2018/67472
[12]- جان كرد في روايته
"حزن الأميرة الميتانية"، جيرون، 29-11-2017
https://geiroon.net/archives/103188
[13]- "نفرتيتي"
ذات أصول سورية ، سيريا نيوز، 3-5-2007
http://syria-news.info/var/articlem.php?id=1436
[14]- انا الملكة نفرتيتي
من أصول سورية مثلكم، مجلة السريان، 5-9- 2019
[15]- كيف أصبحت بشرة نفرتيتي
بيضاء؟، بي بي سي، 13- 2- 2018
https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-43040489
3 التعليقات:
ايه الجمال ده
الله ينور على حضرتك يا حضرة الباحثة المجتهدة
لازم يتم طرد السوريين من مصر
ربنا ينور عليك، وبالفايدة آمين
إرسال تعليق