التاريخ الميلادي

الاثنين، 16 ديسمبر 2024

إزاي اتبخر الجيش المصري 4 مرات في التاريخ ومتهدد بالخامسة؟ ج1 ضياع الكتالوج

  طبعا كلمة "اتبخر" كلمة تقيلة على القلب واللسان إنه نقولها على جيشنا، لكن ما هي برضو تقيلة إننا نقول إن مصر سقطت في احتلالات أكتر من 2000  سنة، أوإن مصر العظيمة حكمها عبيد وجواري وبدو من كذا صنف، لكن ده حصل فعلا.. والسؤال ليه حصل؟

 

 محتويات المقالة:

إمتى اتبخر الجيش المصري 4 مرات؟

العقيدة الوطنية للجيش المصري

"ماعت" و"إزفت"

دستور المصريين.. ماعت

دستور سقوط مصر.. "إزفت

الوصية الحارسة (العهد الخاص بالحدود)

السقوط الكبير

يمكن كان من أسباب إنه حصل إننا مش بنتعظ من دروس التاريخ، وبنغطي عينينا عن الخطر بكلمة "إحنا محدش يقدر علينا"، "مصر عمرها ما تسقط"، "مصر محفوظة بوعد إلهي"، وإنه بندي الأمان للشعوب الأجنبية، وندخلهم في عروق بلدنا، مدام قدمت لينا الطاعة، أو المدح، أو رمت سلاحها ولبست توب الود والسلام.

ونحب نفتكر إن الجيش المصري في وقت من الأوقات كان مش مبالغة نقول إنه "أٌقوى جيش على وش الأرض" لأن كان يخص أقوى دولة على الأرض لكذا سبب، زي:

كانت دولة مركزية واضحة الحدود على أكبر مساحة (من كفر الشيخ ع البحر المتوسط لحد أسوان قرب الشلال التاني) معروفة لدولة من النوع ده وقتها، ومن شعب واحد، وعقيدة وثقافة وطنية واحدة (عقيدة ماعت)، وعندها نظام حكم قادر على إدارة ده كله في أمان واستقرار، في حين كان أكتر دول العالم الكبيرة المعروفة دلوقت عبارة عن مدن أو إقطاعيات أو قبايل متصارعة، ومفيهاش جيش من لون واحد قادر يحمي الحكم المركزي ونظام الدولة الواحدة لزمن طويل زي ما عملت مصر.

بخلاف ده كله، ففي فترة الإمبراطورية المصرية القديمة، كان الجيش قادر يفرض سيطرته على مساحة تتمد من أجزاء واسعة من شمال السودان لحد الشام كله أو أجزاء واسعة منه، وده لأكتر من 400-500 سنة (الفترة من القرن 16 ق.م إلى القرن 11 ق.م)، ومكنش في دولة سبقته في فرد سيطرتها على مساحة واسعة قد دي، وللمدة الطويلة دي.

إلا إن القوة السياسية والحربية والإدارية والاقتصادية وكترة عدد السكان لوحدهم مكنش هما اللي يقدرو يحافظو على قوة الدولة للأبد، أو يحميها من الاحتلالات؛ فالأهم من ده كله كان هو:

1- حماية العقيدة الوطنية المصرية (عقيدة ماعت) سليمة زي ما هي.

2- قوة الذاكرة التاريخية، يعني الاستفادة من دروس التاريخ اللي فات.

3- البُعد عن غرور القوة، وعن التقليل من الخصوم، وعن تخدير النفس بكلام زي "محدش يقدر علينا"، و"كله تحت السيطرة"، و"من ده اللي يقدر يوقع مصر".

4- البُعد عن إنه ندي الأمان لأي شعب أجنبي، أو أي هوية دخيلة على مصر، ولو كانت بلاد الشعب ده والهوية دي تحت السيطرة المصرية، زي ما كان أيام الإمبراطورية المصرية. 

إمتى اتبخر الجيش المصري 4 مرات؟

1- في اللي سماه الدكتور عبد العزيز صالح الله يرحمه، وكان عميد لكلية الآثار جامعة القاهرة،  "عصر اللامركزية الأولى" في كتابه "تاريخ الشرق الأدنى- مصر والعراق"، وسماه علماء مصريات تانيين "عصرالاضمحلال الأول"، وده حوالي 2200 ق.م ولحد 1991 ق.م (200 سنة).

2- في عصر اللامركزية التاني "عصر الاضمحلال التاني"، وبدأ حوالي 1730 ق.م يعني بعد 50 سنة بس من نهاية الأسرة 12 القوية اللي حكمت لحد سنة 1785 ق.م

3- في عصر اللامركزية التالت "الاضمحلال التالت"، وبدأ 1069 ق. م

4- في القرن 19 بعد اشتراك الاحتلالات التلاتة (العثماني والإنجليزي والعلوي + الجاليات الأجنبية) في كسر ثورة 1881 أيام عرابي، اللي كان شعارها "مصر للمصريين"، لما المحتلين خدو قرار حل الجيش في 1882

في المرة الأولانية معنى "اتبخر" هنا إنه مع انهيار الدولة المركزية في اللي اتسمى بالأسرة 6، وظهور مراكز قوى عبارة عن عائلات كبيرة استفرد بحكم محافظات، وتسلل جماعات أجنبية من ورا الحدود، بقى الجيش مش محكوم من حكومة واحدة، لكن المتحكمين في محافظات في البلد مكونين قوى مسلحة خاصة بيهم.

وفي المرة التانية معنى "اتبخر" إنه بعد ما قدر المصريين يرجعو دولتهم المركزية وجيشهم القوي الواحد تاني، وبنو البلد من جديد في اللي بيسميه علماء مصريات "الدولة الوسطى"، حصل تكرار لغلطات اتسببت من جديد في ضعف الدولة المركزية، وتحلل الجيش على نار هادية، خصوصا مع استيطان أجانب، وبعد احتلال الهكسوس القدام لمصر انحسرت قوة الجيش في وجه قبلي لحد بني سويف، وبقية البلد في إيد العدو.

وفي المرة التالتة معنى "اتبخر" هي الأقسى والأشد، لأن معناها إنه اتبخر كله، بعد ما دخل أسرى الحرب وأجانب للجيش وسيطرو عليه من جواه، فما بقاش في جيش مصري من أساسه، ولا له أي سيطرة على أي شبر من مصر، لكن كل السيطرة كانت للمحتلين بعد كدة.

وفي المرة الرابعة معنى "اتبخر" هو قرار أخده المحتلين بحل الجيش، وبعدين شكلوه من جديد بطريقة حاولو يضمنو بيها إنه ما يقدرش يساعد المصريين على إنهم يعملو ثورة من جديد على المحتل.


العقيدة الوطنية للجيش المصري

والسؤال دلوقت: ليه  اتبخر الجيش كذا مرة رغم قوة مصر ووطنية أهلها؟

عشان نوصل للإجابة، لازم الأول نعرف إيه هي "العقيدة الوطنية المصرية" اللي لو اتلعب فيها، أو فرَّطنا في حاجة منها، هتتزلزل الأرض من تحت رجلينا، وتتخلخل عواميد بلدنا، ومش هتنفعنا قوتنا مهما كانت في الاقتصاد والسياسة والسلاح، وتقع بلدنا في إيدينا جماعات وبلاد، كنا فاكرين إنهم أضعف مننا بكتير، ولا يمكن يقدرو علينا.

والعقيدة دي ممكن نختصرها زي ما أجدادنا اختصروها في كلمة "ماعت"، وتُعتبر هي "دستور المصريين" الحقيقي والخالد، قصاد عقيدة أعداء مصر، واللي اختصرها الأجداد في كلمة "إزفت"، يعني الفوضى.

وهنا هعيد نشر صفحات من كتاب "نكبة توطين الهكسوس" ج1، بخصوص فكر الأجداد عن "ماعت" و"إزفت" وعلاقتهم بقوة مصر أو ضياعها، وعلاقتهم بمصير جيشها، وفي المقالة الجاية هنشوف إزاي مخالفة الأجداد نفسهم في كذا مرة لوصايا "ماعت" اتسبب في سقوط مصر وإن الجيش اتبخر كذا مرة.

جه في الكتاب تحت عنوان:

المشهد 4: سقوط الدولة المركزية  (الزفتة الأولى)

2200-1991 ق.م

العقاب الشنيع

 

▲▲▲ "ماعت" و"إزفت"

سمَّى أجدادنا الحق والنظام والأصول الصحيحة لحياتهم ومبادئهم وشريعتهم بكلمة "ماعت"، والتي باتباعها تعيش مصر حياة سليمة مطمئنة هنية، وقالوا إن من أنزلها إلى مصر هو رع.

ويصفها علماء المصريات الأجانب بأنها (النظام، والحق، والصدق، والعدالة، وحفظ التوازن الكوني والبيئي)([1])، فيما اختصرها علماء مصريون بتعبير مصري بليغ هو "الأصول"، و"دستور المصريين".

أي الأصول التي تأسست عليها مصر فيما يخص علاقتها بالإله خالقها وبالدولة، وتناسبها في نظام الحكم المركزي والاقتصاد والعمارة والعادات والتقاليد والعلاقات الأسرية والأخلاق وعلاقة المصريين ببلدهم وببعضهم وبالأجانب وبالكون كله، بل وترسم هدف المصريين من الحياة نفسها.

يقول أحد أعمدة علم المصريات في العالم د.علي رضوان([2]) إن "ماعت" بالنسبة للمصريين هي "ناموس الحياة"، أي قانونها ودستورها، الذي وضعه "رع" ليكون فيه خير البشر والكون، وببساطة هي "اتباع السلوك السليم، والنهج القويم، والخلق الكريم".

وتحدثت نصوص الأهرام (Pyr.1775) عن فضل إشاعة "ماعت" في الكون، فنسمعها تقول: "إن السماء تكون في سلام، والأرض تكون في سرور، ذلك أنه قد أُشيع أن الملك سوف يضع "الماعت" لتحل محل (الباطل)"([3]).

 وفي نص إصلاحات توت عنخ آمون ورد: "لقد أزاح الفوضى عن الأرضين (الوجهين القبلي والبحري) حتى تكون ماعت هي الباقية([4])"، فهدف حياة المصريين هو إقامة "ماعت".

ولأنها الأصول الغير قابلة للتغيير مهما تبدلت الأحوال والعصور، قال عنها الحكيم "بتاح حتب": "إنها لا تتغير ولا تتبدل منذ زمن الذي أوجدها"، أي منذ الزمن الذي كان يحكم فيه رع الأرض مباشرة قبل أن يخلق البشر ليكونوا خلفاء له في حكمها، وأوصاهم بتنفيذ شريعته في الأرض "ماعت".

وجاء في نصوص الأهرام Pyr, 265 عن الحاكم الصالح أنه "الذي يضع الماعت في مكان الباطل"، أي بدل الباطل([5]).

وينبه بتاح حتب إلى أن: "الذي يفعل الماعت فذلك الذي يكون بعيدا عن الضلال"، وفي موضع آخر يحذر من أنه "يحل العقاب دائما بالذي يتخطى قواعدها"، أي يتعدى حدود الماعت([6]).

وسجَّل الفلاح الفصيح في شكواه الثالثة إلى المسئول الحكومي: "إن صلاح الأرض (مصر) ينحصر في تطبيق الماعت"([7])، أي الحق والأصول.

ومجلس ماعت (محكمة الأرباب) هو الذي قضى بحق حور (حورس) في عرش مصر خلفا لأبيه أوزير([8]) بعد أن سيطر عليه "سيت" في أقدم قصة مصرية تحكي انتصار الحق على الباطل.

الرمز المشهور لماعت، ست بجناحين رمز إنها بتحمي بيهم مصر لو المصريين التزمو بمبادئها- مقبرة نفرتاري

 
ولشريعة "
ماعت" أكبر الأثر في تشكيل شخصية المصريين ونفسيتهم، فانعكست على أعمالهم، بل وعلى وجوههم، سواء الحقيقية أو التماثيل، فتحب النظر فيها، لأنها تشعرك بالسماحة والسكينة والطمأنينة والحيوية والأمل، وترى فيها حلاوة مهما كان حظ ملامحها من الجمال.

وفي مقابل "ماعت" توجد الفوضى، وهي تطفو بضياع الحق والأصول، وتشتت الفكر، وانهيار الأخلاق والحكومة المركزية التي تحفظ وحدانية مصر ومبادئها، وبفتح الحدود أمام الهجرات الأجنبية القادمة بهويات ومطامع وأرواح معاكسة لـ ماعت، وسمى الأجداد هذه الفوضى بـ "إزفت"، وهي الكلمة التي ما زلنا نستخدمها حتى اليوم، بنطقها "زفت" أو "زفتة"، وتعنى الباطل والخراب والضياع والمذلة، وهي الشر الذي من أهداف حياة المصريين محاربته تقربا إلى الإله.

على يمينك حارس مصري بيطعن التعبان عبب "أبو فيس"، واحد من رموز الفوضى "إزفت" (مقبرة رمسيس الأول)، والصورة التانية حور (حورس) بيطعن سيد قشطة، واحد من رموز "إزفت" برضو (معبد إدفو)

ولم يترك لنا الأجداد كتابا جامعا لقوانين ومبادئ "ماعت"، أو ربما تركوا ولكن لم يعثر عليه العلماء، لكنهم تركوا مقتطفات تدل عليها، من نصائح وتعاليم الحكماء في التربية والسلوكيات والمعاملات مع الإله والناس والحيوانات والنباتات والبيئة والتجارة، أو في نظام حكم مصر نسبوها لـ"ماعت"، وتعاليم وأوامر الحكام للوزراء عن الطريقة الأحسن لمعاملة الناس، وعن دور الحاكم في الأرض ونسبوها لـ"ماعت" وتقاليد مصر في التعامل مع الشعوب الأخرى خلال أحداث التاريخ في السلم أو حين غزوا مصر، والتي استقوها أيضا من "ماعت".

▲▲▲ (دستور المصريين.. ماعت)

أبرز مبادئ "ماعت" (الأصول) لعمار مصر:

1-   الأخلاق الطيبة وتقوى اليوم الآخر

2- حياة المصريين مع بعضهم قائمة على الإخوة والتعاون

3- هدف حياة المصري نصرة الإله الخالق على الشيطان (المقصود الفوضى لأن الشيطان بالصورة المعروفة له في المسيحية والإسلام مكنش موجودة في التاريخ المصري القديم)

4- وظيفة الحاكم تطبيق "ماعت" باعتباره خليفة للإله (صانع ماعت) في حكم مصر

5- الحكم المركزي للدولة

6- النظام الهرمي في علاقات الأسرة، وإدارة الحكم

7- منع ظهور مراكز قوى اقتصادية أو اجتماعية تناطح الحكومة

8- السلاح حصري بيد الدولة

9- مصر فوق الجميع

10- مصر أمة بذاتها، حصرية لأهلها

11- اليقظة الدائمة لبوابات حور (الحدود) وطرد المتسللين أولا بأول

12- الاعتماد على البيئة المصرية في تدبير احتياجات البلاد

13- منع استيراد هوية من الخارج في الفن والثقافة والاقتصاد والدين والحكم وحتى المظهر

14- العلاقات مع البلاد الأخرى في حدود التعاون لتبادل التجارة والخبرات بما يحفظ مصلحة مصر، لا اندماج ولا انصهار

15- نسالم من يسالمنا، نعادي من يعادينا

16- إحياء ذكرى وحكمة الأجداد ورموز مصر

17- العَدَل والوسطية في كل أمر

▼▼▼ دستور سقوط مصر.. "إزفت

أبرز أسلحة "إزفت" (الفوضى والهرم المقلوب) لإسقاط مصر:

1-   ضياع الأخلاق وانتشار الإلحاد

2- حياة المصريين مع بعضهم تقوم على التناحر والتنافس

3- هدف الحياة نصرة الشيطان على الإله الخالق

4- الحاكم سلطته شكلية ولا وصاية للدولة في حفظ مبادئ وهوية المصريين

5- الدولة اللامركزية

6- العشوائية وزوال الحدود في العلاقات الأسرية وفي نظام الحكم

7- ظهور مراكز قوى اقتصادية واجتماعية تناطح الدولة في الحكم والقرار

8- السلاح مشاع للجميع

9- تشتت الولاءات لتيارات ومذاهب وجماعات بعيدا عن مصر

10- مصر مشاع لكل الشعوب (تدويل مصر([9]))

11- التراخي في حماية بوابات حور (الحدود) من تسلل الأجانب، وقبول توطينهم

12- الإسراف في استيراد البضائع

13- استيراد الهويات الأجنبية ونظم الحياة والحكم المعلبة

14- العلاقات مع العالم تتعدى حدود التعاون، إلى الاندماج والانصهار

15- نعادي من يسالمنا، نسالم من يعادينا، ونكافئه

16- تحقير الأجداد وترك رموز مصر إلى الرموز الأجنبية

17- التطرف في كل أمر

هذه النقاط لم ترد نصا هكذا في بردية واحدة، ولكنها خلاصة يستشفها الباحثون في النصوص المتعلقة  بـ ماعت، و وصية حور (وصية العهد) السابق الإشارة إليها، والأوامر والنواهي في وصايا الحكماء والأجداد، وفي الخطوات التي اتخذها الأجداد وأدت لصعودهم، وأيضا التي اتخذوها وأدت لسقوطهم، كذلك من الدساتير ووثائق العمل السرية والمعلنة للتنظيمات الدولية السرية التي ظهرت في القرون الأخيرة وأعلنت بوضوح خططها ووسائلها لنشر الفوضى "إزفت" والحروب في العالم، وكان لمصر من شرورها وخططها نصيب كبير كما سيتضح في فصول لاحقة([10]).

 

▲▲▲ الوصية الحارسة (العهد الخاص بالحدود)

 أما فيما يخص وظيفة الجيش في حماية الحدود من إنه يتسرسب ليها الأجانب، مش بس يحميها من الغزو المسلح للأجانب، لا كمان يمنع دخول هجرات ناوية على استيطان في البلد، ولو دخلت البلد من غير سلاح باسم لاجئين أو عمالة أو غيره، فنقل الكتاب نص "الوصية" اللي مكتوبة في "متون الأهرام" للجيش بخصوص الحدود.

وجه في "المشهد 2" يعني الفصل التاني من الكتاب:

إن الآباء المؤسسين، أو ربما السماء، وضعوا لمصر الدواء لنقاط ضعفها، ومن هذا الدواء الوصية التي سجلتها نصوص الأهرام- وهي قلب قضية هذا الكتاب- بألا تفتح بواباتها (حدودها) للأجانب الطامعين فيها، والذين يحاولون غزوها، سواء من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، فالإله أسس هذه الحدود لحمايتها، ولعلمه بأنها مطمع الجميع.. وفي هذا إشارة لوجود حدود لمصر منذ أقدم العصور، والمصريون ملزمون بتحصينها ماديا ومعنويا.

فجاء في نصوص الأهرام كما ورد في رسالة الدكتوراة بكلية الآثار جامعة القاهرة للباحثة نجلاء فتحي شهاب بعنوان "القومية المصرية وتعبيراتها عند المصري القديم حتى نهاية التاريخ المصري القديم" ص 125- 126:

"إن البوابات التي فوقك كبوابات حامية.... إنها سوف لا تفتح للغربيين، إنها سوف لا تفتح للشرقيين، إنها سوف لا تفتح للجنوبيين، إنها سوف لا تفتح للشماليين، إنها سوف لا تفتح لهؤلاء الذين في وسط الأرض، إنها سوف تفتح لحورس".

وفي ترجمة أخرى وكاملة لهذه الوصية، أو هذا العهد، قام بها هنري بريستد في كتابه "تطور الفكر والدين في مصر القديمة" ص 40-45، ترجمة زكي سوس، يقول النص:

التحية لك يا عين حور (مصر)

 التي زانها بكلتا ذراعيه

إنه لا يسمح لكِ (يا مصر) أن تصغي إلى أهل الغرب

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الشرق

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الجنوب

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الشمال

إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى القاطنين بوسط الأرض

ولكن تصغين إلى حورس

إنه هو الذي زانك

إنه هو الذي شيدك

إنه هو الذي أسسك

إنك تفعلين لأجله كل شيء يقوله لكِ

إن الأبواب الموجودة عليكِ تستوي ثابتة مثل "إنموتف"

إنها لا تنفتح لسكان الغرب

إنها لا تنفتح لسكان الشرق

إنها لا تنفتح لسكان الشمال

إنها لا تنفتح لسكان الجنوب

إنها لا تنفتح للقاطنين وسط الأرض

إنها تنفتح لحورس

إنه هو الذي صنعها

إنه هو الذي أقامها

إنه هو الذي نجاها من كل سوء أوقعه "ست" عليها

إنه هو الذي أقام دعائمك

فأمر الإله مصر أن تكون الأصول التي وضعها لها (ماعت) هي مرجعيتها، ولا تسلم نفسها للشعوب الكائنة وراء الحدود وثقافاتهم، فهو الأدرى بما يصلح لها؛ لأنه هو من أسسها ووضع قواعدها.

▲▲▲ السقوط الكبير

فيما يخص مكانة "ماعت" و"إزفت" في اللي بيسميه علماء المصريات بالعصر العتيق والدولة القديمة، أو "عصر بناة الأهرام"، فإنه طول ألف سنة (من مينا ولحد الأسرة 6) مشيت مصرعلى وصفة عمارها وهي "ماعت"؛ فقام فيها نظام قومي ثابت الأركان، يحافظ عليه الحاكم اللي كان بياخد شرعيته من إنه يطبق "ماعت"، وكانت النتيجة أعظم الإنجازات اللي لسة بتبهر الدنيا لحد إنهاردة.

لكن.. في نهاية الأسرة 6 سقطت مصر في واحدة من أشنع "الزفتات" في تاريخها، فوضى كبيرة قعدت عشرات السنين، فإزاي سابت نفسها تسقط بالشكل ده، وإزاي بعدت عن ماعت؟ وفين كان الجيش، وإيه حصله؟

الإجابة في الجزء (2)


 بقلم: إفتكار السيد (نفرتاري أحمس) 15-12-2024 ، الموافق 6 كيهاك

 

المقالة مسموعة على يوتيوب 

 إزاي اتبخر الجيش  المصري 4 مرات في التاريخ ومتهدد بالخامسة؟ ج1 ضياع الكتالوج

تحميل كتاب "نكبة توطين الهكسوس" ج1


مقالات ليها صلة

 

"وصية حور".. وثيقة العهد لحماية مصر من الاحتلال كيف نسيناها؟ أقدم نشيد وطني لمصر

أكبر عيوب مصر.. من وحي تجاربها معالاحتلالات

الشبه بين البدو وعصابة حسن البنا (ج1).. اتحاد القبايل

الشبه بين البدو وعصابة حسن البنا (ج2).. حصار حدود مصر بـ"حزام" النار الهكسوسي

 


([1])- المزيد عن "ماعت" طالع كتاب ماعت فلسفة العدالة في مصر القديمة، أنَّا مانسيني، ترجمة محمد ماهر عواد، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2009، ص 12-15

([2])- انظر تقديم علي رضوان لكتاب "الماعت.. فلسفة العدالة في مصر القديمة" لأنا مانسيني، مرجع سابق، ص 12-15

([3])- نفس المرجع

([4])- نفس المرجع

([5])-نفس المرجع

([6])- نفس المرجع

([7])- نفس المرجع

([8])- نفس المرجع

([9])- كلمة "تدويل مصر" هدف حقيقي لأعادي مصر في القديم والحديث، ووردت على لسانهم صريحة، ومنهم وزير المستعمرات البريطاني ألفرد ملنر وقت ثورة 1919 حين دعا لتحويل مصر إلى مصب وموطن للجاليات الأجنبية، وتصطبغ كل مدينة فيها بصبغة أجنبية ويكون للأجانب السيطرة، وسنتابع هذا عند الحديث عن توطين الهجرات في مصر خصوصا من الاستيطان الإغريقي، مرورا بالاحتلال الإنجليزي، وصولا لقوانين التجنيس والتوطين الحالية.

([10])- لمراجعة هذا انظر كأمثلة: ماعت فلسفة العدالة في مصر القديمة، مرجع سابق، ماعت مصر الفرعونية وفكرة العدالة الاجتماعية، يان آسمان، فجر الضمير، جيمس هنري بريستيد، ترجمة سليم حسن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2011، تاريخ الشرق الأدنى- مصر والعراق، عبد العزيز صالح، مرجع سابق،  مصر الفرعونية، أحمد فخري، مرجع سابق، الوعي السياسي عند قدماء المصريين، فايز أنور عبد المطلب، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين، أحجار على رقعة الشطرنج وليم جاي كار، ترجمة سعيد جزائرلي، دار النفائس، الماسونية والماسون في مصر 1798- 1964، وائل إبراهيم الدسوقي، دار الكتب والوثائق القومية، الشيطان أمير العالم، وليم جاي كار، ترجمة عماد إبراهيم، الأهلية للنشر والتوزيع، بروتوكولات حكماء صهيون، فكتور ماسدون، الحرية للنشر والتوزيع، القاهرة، الفكر الفلسفي في مصر القديمة، د. مصطفى النشار، الدار المصرية السعودية للنشر والتوزيع، ط1.

([11])- شمس رع مقصود بها في ثقافة الأجداد أي "الشمس في عز الضهر"، يعني في أقوى مراحلها وأكثرها ضياءً وإشعاعا

([12])- انظر: تقديم علي رضوان لكتاب "الماعت.. فلسفة العدالة في مصر القديمة"، مرجع سابق، ص 12-15

([13])- انظر: موسوعة مصر القديمة، سليم حسن، ج 17، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 293



0 التعليقات:

إرسال تعليق

جدول محتوى المقال
    Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

     
    Legacy Version