التاريخ الميلادي

الأحد، 8 مارس 2020

نبذة عن مصر والسودان من التاريخ القديم حتى أول القرن الـ20 (متى ظهرت كلمة أشقاء؟)

هذه النبذة مأخوذة كنص عن كتاب "نكبة توطين الهكسوس- النكبة المصرية"، مع إضافات من مصادر أخرى.

والهدف منها، فتح ملفات حقيقة العلاقات التاريخية بين مصر والشعوب الأخرى، قبل أن تعمي الأيديولوجيات كالقومية العربية والخلافة الإسلامية والشيوعية والعولمة وغيرها الأعين عنه؛ ما تسبب في أن تميل كفة العلاقات في السنين الأخيرة لمصلحة الدول الأجنبية على حساب مصر دائما.
أسير كوشي على عصا ضمن مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون

أسير كوشي على عصا ضمن مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون الأسرة 18


تقول النبذة:

حتى القرن 19 فإن كلمة السودان لا تعنى البلد الذي نعرفه بحدوده الحالية جنوب مصر، لكنه يعني القبايل السود من السودانيين الحاليين والحبش والزنوج وكل الأفارقة من بعد الشلال الثاني للنيل بعد الحدود المصرية الجنوبية.

وتطلق عليهم المراجع التاريخية الأجنبية كلمة "السود"، أو "العبيد"، وأخرى "الأثيوبيين" وأخرى توسعت في كلمة النوبيين لتشمل كل هؤلاء أيضا وليس النوبة بمعناها الذي نعرفه كمصريين الآن وهي التي بين الشلالين الأول والثاني.

أما مصر فسمتهم في تاريخها القديم "كاش"، أو "كوش" وهم الشعوب التي تعيش ما بعد الشلال الثاني، وكانوا ضمن "الأقواس التسعة"، أي الأعداء لكثرة غاراتهم على مصر.

أما النوبة في أسوان فسماها المصريون "الواوات" و"بانحسي" وهي ضمن الحدود المصرية.


وكان الكوشيون في حالة عدوان دائم على الحدود المصرية بغزواتهم اللحوحة وسلاحهم الشهير (السهام)، ولذا اشتهروا في الرسومات والنقوش المصرية في صورة أسرى الحرب ودافعي الجزية.


غير أنه في معظم أزمنة الحكم المصري القديم كانت الغلبة لنا في ردهم خائبين، ووضع سنوسرت الثالث في الأسرة 12 حدودا محصنة لمصر مع كوش عند الشلال الثاني قرب وادي حلفا، ولم يسمح لهم بتعديها إلا للتبادل التجاري في سوق أسوان ثم يعودون لبلادهم، وبعد تحالف كوش مع الهكسوس ضد مصر غزاهم الجيش المصري ليشل حركتهم وحكمهم لمئات السنين اصطبغت فيها كوش بصبغة مصرية لحد ما في الدين والثقافة والعمارة.


الأسرى الكوشيين أيام حور محب
جنود مصريين يحصون عدد أسرى الحرب الكوشيين (مقبرة حور محب الأسرة 18 في سقارة)
ولما نكبت مصر نفسها بفتح حدودها للأجانب وتوطينهم نهاية الدولة الحديثة واحتلتها القبائل الوافدة المستوطنة بعد الأسرة 20 أو 21 فقدت السيطرة على كوش التي استغلت الصراع بين هذه القبايل على عرش مصر واحتلتها في عهد الكوشي بعنخي، وأزاح الأشوريون بدورهم الاحتلال الكوشي.

  وعادت كوش إلى عادتها القديمة في الإغارة من حين لآخر على أسوان، وتُقابل بالهزيمة في معظم الأحيان خلال الاحتلالات التالية، وأسمت هذه الاحتلالات من بعد الاحتلال اليوناني كوش بـ"النوبة"، حتى جاء محمد علي وغزا كوش لاستجلاب المقاتلين والذهب وتنشيط التجارة، وما كانت إلا ممالك وقبائل متصارعة وليس بدولة كاليوم.

وعاد إسماعيل لغزو السودان- رغم الديون التي ترزح تحتها مصر- وأهلك عشرات الآلاف من الجنود المصريين ليكون "إمبراطور أفريقيا"، وامتدت فتوحاته لتصل إلى أوغندا، وكل هذا (من بعد أسوان إلى أوغندا) أسموه "السودان"، وباتت تحت سيطرة مصر مؤقتا حتى احتلها الإنجليز فعليا ومصر اسميا باتفاقية 1899.

 وربما يعتبر الشعب المصري الشعب الوحيد في العالم الذي كان يقدم المال والعرق للبلد الذي يقال إنه يحتله لا العكس، فكثير من المشروعات التي تأسست في السودان لتحويله إلى دولة حديثة في القرن 19 وأول القرن 20 من سكك حديد وشق طرق ومدارس وتلغراف وغيرها كان يشارك فيها المصريون الذين يأخذهم بالقوة في أكثر الأحيان عيلة محمد علي ومن بعدها الإنجليز إلى السودان لعمل هذه المشروعات، بل وكانت بريطانيا تأخذ أموال من الميزانية المصرية (أموال الفلاحين) للإنفاق على هذه المشاريع، في حين أن مكاسب المشاريع كلها من بعد الاحتلال الإنجليزي ترجع لبريطانيا لا للمصريين.

ويسجل كتاب "ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنجليزية" أن أورطة السكة الحديدية المصرية قامت على صيانة السكك الحديد في السودان كلما دمرتها السيول أو عمرتها الرمال في أسوأ الظروف مناخا وأشقها، ويقول مكي شبيكة في كتابه "السودان عبر القرون" إن الانتصار الذي حققه الجيش المصري في مد السكك الحديدية أثناء تقدم القوات المصرية لاسترداد السودان كان "أبقى على الدهر وأنفع من انتصارات الميادين"، وقال أحد الضباط المشاركين في إنشاء السكك الحديدية "إنه توجد تحت كل شبر منها جثة جندي مصري".

وكجالية داخل مصر، عرفناهم كأعداء وأسرى حرب وتجار ودافعي الجزية وخدم  خلال أزمنة الحكم المصري القديم، ومحتلين في الأسرة 25، وظهروا كعبيد أيام اليونان والرومان والعرب، ثم مرتزقة في الجيش أيام ابن طولون وكافور الحبشي، واستكثر منهم العبيديون (الفاطميون) كمرتزقة وعبيد، وعادوا لمكانة العبيد والجواري دون المشاركة في الجيش أيام المماليك والعثمانلية، ثم بجوار العبيد عادوا للجيش كمقاتلين أيام محمد علي وأولاده والإنجليز.
جواري سودانيات في حريم قصور المحتلين في القرن 19
سودانيات ضمن الجواري مع الشركسيات في حريم قصور المحتلين في مصر خلال القرن 19 (رسم بريدجمان/ موقع Gettyimage)
 ولم تظهر مسميات "أشقاء" و"إخوة"، وأن مصر والسودان "شقيقتان" إلا أوائل القرن 20 خلال مكافحة الاحتلال الإنجليزي للبلدين من باب توحيد الجهود ضد الاحتلال وحماية حقوق مصر في مياه النيل- رغم أن السودانيين رأوا أن مصر بلد احتلال كبريطانيا واعتزمت ثورة المهدي احتلال مصر بعد تحرير السودان- ثم ما تبع هذا من تغلغل خيوط القومية العربية القادمة من الشام، والتي اعتبرت أن كل البلاد الناطقة بالعربية "أشقاء".

وبعد إلغاء تجارة العبيد أيام إسماعيل ظهر السودانيون في مصر كجالية تبحث عن فرص عمل في البلد الغني الآمن المتساهل، وبلغ أقصى عدد لهم في تعداد 1917 حوالي 37 ألف شخص.
 ______________________

 بقلم: إفتكار السيد (نفرتاري أحمس)
________________________

المصادر والمراجع:


1- كتاب نكبة توطين الهكسوس، إفتكار البنداري السيد (نفرتاري أحمس)، القاهرة، 2019

2- الشرق الأدنى القديم (الجزء الأول)، عبد العزيز صالح، مكتبة الأنجلو، ط2 منقحة، القاهرة، 1973

3- بلاد النوبة تاريخها وآثارها، عبد المنعم أبو بكر، مجلة المجلة، س3، ع28، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1959

4- آثار الحضارة المصرية على حضارات أفريقيا، محمد إبراهيم بكر، مجلة جامعة القاهرة بالخرطوم، ع1، 1970، الخرطوم

5- الإدارة المصرية للنوبة في عصر الدولة الوسطى، علاء الدين قابيل، مجلة كلية الآداب جامعة طنطا، ع 24، ج2، القاهرة، 201

6- الوجود المصري في أفريقيا في الفترة بين 1820- 1899، السيد يوسف نصر، دار العارف، ط1، القاهرة، 1981

7- مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، عبد الرحمن الرافعي، دار المعارف، ط4، القاهرة، 1983

8- ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنجليزية، بقلم "محزون"، ط 3، طبعة السفير، الإسكندرية، 1935

 9- الجيش المصري في السياسة (1882-1936، عبد العظيم رمضان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version