التاريخ الميلادي

الاثنين، 16 مارس 2020

هل كترة سكان مصر وحدها تحميها من الاحتلال الهكسوسي الجديد؟

في مثل مصري فصيح بيقول:
"تلاتة لو اتفقو على بلد يخربوها"

ومثل تاني بيقول:

"اليد الغريبة تخرب البيوت العامرة"[1]
والمثلين دول محتاجين نفتكرهم وإحنا ماشيين نشوف كام كان عدد الأجانب لما احتلو مصر في عصور سابقة مقارنة بعدد المصريين، وهل قلة عدد الأجانب في أي بلد هي سبب يخلي أهل البلد يطمنو لأن الأجنبي هيفضل تحت السيطرة وما يقدرش يسرق بلدهم منهم ولا لأ.
إحصائية سكان مصر من موقع جهاز التعبئة والإحصاء
وهنعرف ده مع رصد عدد السكان في كل مرحلة، سوا في أزمنة الحكم المصري القديم أو أيام الاحتلالات، مقارنة بعدد الأجانب اللي ظهرو في مصر وقتها، وهو رصد يعتبر تلخيص للي ورد عن عدد السكان في مصر في كذا مرحلة في كتاب "نكبة توطين الهكسوس- النكبة المصرية" لصاحبة المقال، والمعتمد على مصادر رصد السكان على إيد المؤرخين والرحالة في عصور فاتت، أو على إيد باحثين في المصريات في العصر الحالي.

السكان في أزمنة الحكم المصري القديم

 أول حاجة يصح نعرف سكان مصر أيام الحرية القديمة.. أيام الأجداد.

في إشارات في الآثار إن الأجداد عملو تعداد، لكن مفيش رقم مؤكد، بس علماء مصريات زي بتلر وبوتزر وغيرهم، حطو تقديرات ما بين إننا في آخر الدولة الحديثة (الأسرات من 18-20) كنا ما بين 4 -12 مليون، وناس بالغت بعدد أكبر من ده[2].

وسكان مصر لآلاف السكان، اعتبرو الأكتر سعادة وطمأنينة، رغم شقاء العمل في الأرض ومغالبة الفيضانات الشديدة وبناء المباني العملاقة الشامخة؛ لأنهم كانوا الأقدر على إنهم يعملو لنفسهم اكتفاء ذاتي من كل حاجة، وأقل شعب بتحصل بينه وبين بعضه صراعات- ما خلاش من الصراعات لكنها كانت الأقل من الشعوب اللي حواليه- والأكتر حضارة في عاداته وأخلاقه، والشعب الوحيد اللي مش مشهور بالهجرات الجماعية لبلاد تانية.
استعراض وعد المواشي في مقبرة "ماكت رع"- المتحف المصري
مشهد حصاد المحصول في مقبرة "مننا"، طيبة، الأسرة 18
وحرص الكيمتي (المصري) على التعبير عن هذا بإظهار الشموخ والرضا على وشوش وحركات جسم أهله في كل أحوالهم، سوا الحكام والأغنيا أو الفقرا والشغالين في البيوت.

مشهد لحملة القرابين، آثر منهوب في متحف الفن في بوسطن
 وظهر الأجانب في فترات قليلة في التاريخ المصري القديم، وما يظهرو إلا ويكونو نذير شوم بإن البلد هتقع في خراب أو احتلال.
وكانو بيدخلو إما كأسرى حرب مذلولين، أو باسم لاجئين هربانين من مجاعات أو حروب، أو باسم خدم، أو تجار إلخ، باعتبار مصر كانت الدولة الأكتر غنى وأكتر استقرار وأكتر مشاريع إنتاج.
فمثلا ظهرو في نهاية الأسرة 6 فسقطت، ونهاية الدولة الوسطى فسقطت، ونهاية الدولة الحديثة فسقطت.
ومثال على الخراب اللي عمله الأجانب المستوطنين في مصر نهاية الأسرة 6 حكته بردية "إيبو ور" لما قال يشكي وهو بيراقب الفوضى بتاكل مصر:

: "انظر! لا صانع يعمل، والعدو يحرم البلاد حرفها":"تخربت الأقاليم، وتوافدت قبائل قواسة غريبة إلى مصر، ومنذ أن وصلوا لم يستقر المصريون في أي مكان"، "وأصبح الأجانب مصريين في كل مكان... وأولئك الذين كانوا مصريين أصبحوا أغرابا وأهملوا جانبا"[3].

والبردية طويلة، وفيها سطور كتيرة عن دور المستوطنين الأجانب اللي فتحتلهم مصر أبوابها من الحدود التلاتة ياكلو فيها عيش، وغدروها ونشرو الفوضى والفتن والدم وسقطت الدولة.
بردية إيبور متحف الآثار الوطني في هولندا
 ومش مذكور عدد الأجانب اللي شاركو في قلب حال مصر وقتها، لكن بالتأكيد أقل بكتير من المصريين، بدليل إن لما البلد لملمت جروحها على إيد منتوحتب التاني في الأسرة 11 حاربهم وطردهم من مصر.

إلا إنه في الأسرة 12 غفل المصريين تاني، وفتحو الأبواب للأجانب كخدم أو لاجئين فظهر اللي اتعرف باسم الهكسوس.


وتتبع نيكولا جريمال جذور الاحتلال الهكسوسي في نهاية الدولة الوسطى قبل سقوطها فرصد إن سماح مصر بدخول العمالة الآسيوية كان حسب ما ورد في كتابه "مصر القديمة"، هو: "بداية حركة هجرة متصلة وسلمية، ولكنها ثابتة ودؤوبة، أدت إلى استقرار بعض الشعوب على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، جاءت بعد أن طردتها من مواطنها الأصلية هجرات جديدة هاجمت الشام، حتى إذا آن الأوان نزع المهاجرون إلى الاتحاد ليحتلوا المناطق التي تقع تحت إيديهم، وعادت الآليات التي كانت وراء سقوط الدولة القديمة إلى الظهور، وتتمثل في إضعاف الدولة وما ترتب عليه من انفراط عقد وحدة البلاد[4].

واعتمد الهكسوس وقتها مش على إن عددهم يوصل لعدد المصريين، قد ما اعتمدو على إنهم يسيطرو على أكبر مساحة من الأرض بالانتشار البطـــــــــيء، من غير ما يحس بخطرهم المصريين، بخلاف إنهم عملو علاقات مع العائلات المصرية بداية من لما اشتغلو عندهم خدم لحد ما اتجوزو منهم، ويبقى ما بينهم مصالح مشتركة.

من كتاب "تاريخ مصر القديمة" لنيكولا جريمال

انطرد الهكسوس نهائيا أيام أحمس في الأسرة 18، لكن رجع المصريين يغفلو وفتحو الأبواب للأجانب باسم إنهم "أبناء البلاد المفتوحة" اللي كان بيحكمها المصريين وقتها في الشام والسودان.

وعنهم قال فرانسيس فيفر في كتابه "رمسيس الثالث أو زوال حضارة عريقة" عن أسباب سقوط الدولة الحديثة بعد الأسرة 20 في يد المستوطنين الأجانب: "شقية هي أرض مصر، كم تعرضت للأطماع طوال العقدين الماضيين! أطماع الوزراء، أطماع كبار الكهنة والنساخ، بل أطماع الأعيان الأجانب أيضا، لقد فتحت غزوات الفراعنة في القرون الأخيرة باب البلاط الملكي أمام هؤلاء الأجانب. في البداية كانوا سفراء لبلادهم، ثم أصبحوا مستشارين بارعين لدى الفراعنة، وأخذوا يؤسسون سلالات قوية من الأعيان تحيط بأصحاب العرش"[5].

وسمح رمسيس التالت باستيطان أسرى الحرب كخدم في الأسرة 20، وسمح بدخول لاجئين شوام هربانين من هجمات قبائل شعوب البحر اللي خرَّبت دولة الحيثيين وبلاد الشام، وسمح كمان باستيطان قبائل جاية من ورا الحدود الغربية.

ورغم قلة عددهم احتلو مصر بعد سنين طويلة من جوة بالسيطرة على الأرض، ومدن، خصوصا اللي قريبة من الحدود، والاقتصاد والجواز من العائلات حتى إن منهم اللي اتجوزوا من بيت الحاكم.

وبتعبير د. عبد العزيز صالح في كتابه "الشرق الأدنى القديم" فإنه "على الرغم من هذا التساهل النسبي في توطين الأجانب يعتبر مكرمة للخلق المصري، إلا أنه جرَّ على مصر بعد ذلك شرورا كثيرة كانت في غنى عنها لو أنها استأصلت شأفة أعدائها من جذورها[6]"؛ لأن "الخطر كل الخطر كان يتمثل في ألا يخلو إخلاص هؤلاء النزلاء لها من شوائب، وأن يتمصروا بمظهرهم وليس في مخبرهم، وأن يظل بعضهم على استعداد للتنكر لها متى سنحت لهم فرصة أو ألمت بها نكبة، وما كان أكثر احتمالات النكبات عليها في ذلك الزمان[7]".

فالاحتلال الداخلي ده هو بداية سلسلة الاحتلالات الطويلة اللي ما اتحررتشي منها مصر لحد 1952، فكان كل احتلال بيهزمه احتلال جديد ويستلم منه، أما الثورات الشعبية اللي بتحاول تطرد الاحتلال والمستوطنين الأجانب اللي تبعه، فكان في أكتر الأوقات مش بتقدر تحقق هدفها النهائي، لأن الثوار المصريين كانو مجردين من السلاح، ومن فنون الحرب لأنهم مستبعدين من الجيش، ومكنوش يملكو القدرة المالية اللي تمكنهم من الصمود زمن طويل في كل ثورة.


السكان في الاحتلال اليوناني والروماني

وبداية من نهاية الاحتلال اليوناني وأول الاحتلال الروماني هيظهر إحصاءات لعدد السكان، فقدرهم الدكتور مصطفى عبادي، أستاذ التاريخ اليوناني الروماني بناء على أقوال مؤرخين ورحالة زي جوزيفوس وديودور الصقلي بإنهم 8 مليون، الأكترية من المصريين الأقحاح والبقية من المحتلين والمستوطنين[8]، والمحتلين والمستوطنين تشكيلة من الإغريق والرومان واليهود والشوام والعربان اللي استقرو لأول مرة على حواف الدلتا والوادي بإذن من اليونان والرومان علشان يساعدوهم بالجمال في نقل التجارة من مواني البحر الأحمر والتجارة اللي هتتنقل للشام، وكل التشكيلة عددها يدور حوالين نص مليون ومليون.

السكان في الاحتلال العربي

لما جه الاحتلال العربي اتعمل إحصاء لسكان مصر عشان الجزية، وبحسب ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها" اتفرضت الجزية على كل ذكر بلغ الحلم، وأحصوهم لقوهم 6 آلاف آلاف، يعني 6 مليون، ونقل رواية تانية إنهم كانوا 8 مليون[9] فلو انضاف لهم الستات والرجالة والشيوخ والأطفال يطلع أكتر من  12- 18 مليون.

وبواقي الروم واليونان واليهود وجنسيات تانية في الإسكندرية فالمتوسط بتاعهم نص مليون؛ فقال العرب إنهم لقو في الإسكندرية ما بين200– 600 ألف شخص، ونقل المقريزي عن ابن لهيعة إن "عمرو بن العاص جبى الجزية من الإسكندرية 600 ألف دينار؛ لأنه وجد فيها 300 ألف من أهل الذمة فرض عليهم دينارين دينارين"[10]

وما اتوفرتش إحصائية عن الأجانب في بقية المحافظات 

أما العرب فبدأ عددهم بـ 12 ألف هما الجنود اللي احتل بيهم عمرو بن العاص مصر، ومنهم اللي قعد في مصر بعد الفتح، ومنهم اللي كمل مع الجيش الغازي لشمال أفريقيا.

وبعدها بدأ تيجي القبايل تعزز وتقوي الغزاة العسكريين، ويقول ابن عبد الحكم إنه في عهد معاوية بن أبي سفيان وصل الديوان إلى 40 ألفا [11]، ويقصد بيهم الأفراد وعائلات الجند والقبايل اللي متكفل الديوان بمعيشتهم، والديوان المقصود بيهم الحكومة، وهما كل الجالية العربية في مصر وقتها، ولما قامت الثورات ضد الاحتلال العربي، جاب الولاة العرب آلاف تانية من العرب علشان ياخدو الأراضي اللي خلت بموت أصحابها أو اختفاءهم وقت الثورات، وعلشان يزيدو عدد العرب اللي تبع الولاة ويعززو قوتهم قصاد السكان الأصليين وقصاد القبايل اللي بتتمرد على الولاة.

فيقول المقريزي في كتابه "الخطط المقريزية": "ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة من تاريخ الهجرة، عندما أنزل عبيد الله بن الحبحاب مولى سلول قيسا بالحوف الشرقي، فلما كان بالمائة الثانية من سني الهجرة كثر انتشار المسلمين ]العرب الوافدين[ بقرى مصر ونواحيها[12]".

والعدد فضل على بعضه في النهاية ولا حاجة بالنسبة للسكان الأصليين، خصوصا إنه من كترة الصراعات بين القبايل اللي جت مصر بخصوماتها القديمة، خلى منها اللي يروح يستوطن في السودان أو بلاد شمال أفريقيا.

السكان في الاحتلال العبيدي "الفاطمي"

ما اتلاقاش إحصاءات لعدد السكان، لكن كتب الرحالة والمؤرخين المعاصرين ليه زي ابن حوقل وخسرو والمقدسي قالو إن السواد الأعظم من سكان مصر هما القبط،
وده رغم إنه انضاف للعرب عدد من المغاربة والسودان واليهود والترك اللي جلبهم العبيديين (الفاطميين) كمرتزقة أو معاونين ليهم في حكم مصر والسيطرة عليها.

فيقول ابن حوقل في القرن الرابع الهجري إن معظم رساتيق (أي سواد وغالبية) مصر وقراها في الحوف والريف نصارى قبط، ويقول أبو الصلت إن "سكان أرض مصر أخلاط من الناس مختلفو الأصناف والأجناس، من قبط وروم وعرب وأكراد وديلم وحبشان، وغير ذلك من الأصناف، إلا أن جمهورهم ]أكثرهم[ قبط.

أما المقدسي اللي زار مصر وقتها برضو فيقول: "إن عامة ذمته نصارى يقال لهم القبط، وإن النصارى يشكلون غالبية سكان القرى في الصعيد، فضلا عن كثير من قرى الفيوم التي غلبوا على سكانها".

وفي وجه بحري يرصد الرحالة ناصر خسرو إن مدينة تنيس سكانها 50 ألف نسمة، أكترهم من القبط، ونفس الحال في مدن زي شطا[13].

وهكذا فسوا في الوجه البحري أو القبلي فضل لحد أول الاحتلال العبيدي "الفاطمي" أكتر السكان من المصريين الأصليين اللي اشتهرو وقتها باسم "القبط"، وكان أكترهم لسة مسيحيين، وإن الخليط السكاني من المحتلين والمستوطنين الأجانب كان بيظهر أكتر في العاصمة "الفسطاط" وبعدها "القاهرة"، وفي الإسكندرية، أو قرب الحدود المكان المفضل للعربان.

السكان في الاحتلال المملوكي

برضو مفيش سجلات لتعداد سكان مصر وقتها، لكن فضل المؤرخين يوصفو السكان الأصليين بإنهم "السواد الأعظم" للسكان، ومتمركزين في الأرياف، والأرياف معناها المساحات الزراعية والقرى في الوجه القبلي والوجه البحري، ومش معناها الوجه البحري بس زي ما في السنين الأخيرة بقى مفهوم عند بعض الناس.

ووقتها انتشرت كلمة "فلاحين" جنب كلمة "قبط" للدلالة على السكان الأصليين في كتب المؤرخين، فكلمة قبط بقت تدي معنى المصري اللي فضل مسيحي، أما فلاح فمعناها السكان الأصليين اللي دخلو الإسلام، وكانو محصورين في شغل الزراعة والبناء والحرف اليدوية، ومستبعدين من الوظايف الحكومية، خصوصا المهمة، ومن الجيش، وأكترهم عايش في الأرياف، ونادر منهم اللي بيسكن في العاصمة اللي مسيطر عليها المستوطنين الأجانب.

 أما المستوطنين من ترك وشوام ومغاربة ويهود وعرب- رغم قلة عددهم- فكانو مسيطرين على الوظايف والثروة والتجارة والجيش والقضا إلخ، ومتركزين في القاهرة والإسكندرية وعلى الحدود "العربان".

السكان في الاحتلال العثمانلي


برضو مفيش سجلات لتعداد سكان مصر، لكن الرحالة الفرنساوي قسطنطين فولني اللي زار مصر في القرن 18 قال في كتابه "الرحلة إلى مصر وسوريا" سنة 1783 إن عدد المماليك والأنكشارية العثمانلية 30 ألف، وما اتذكرشي عدد بقية المستوطنين الأجانب (هكسوس العصر).
أما عن السكان الأصليين فقال إن الفلاحين هما "السواد الأعظم" للسكان وعايشين في "شقاء وعمل" مقارنة بحياة الرفاهية والغنى للمماليك والمستوطنين الأجانب.

ويصح نجيب فقرات من وصفه لحال السكان الأصليين وقتها، وهو وصف متكرر في كل كتب الرحالة والمؤرخين عن حال المصريين في معظم الاحتلالات؛ لأنه يدينا فكرة إيه بقى مصير المصريين تحت حكم الأجانب على مدى مئات السنين، بعد ما كانو هما الأحسن حال في كل الشعوب اللي حواليهم أيام حكم الأجداد.

فيقول تحت عنوان "حال الشعب في مصر" أنه في حين أن "معظم أراضيها ]مصر [في يد البكوات والمماليك ورجال الشريعة"، فإن "الفلاحون آلات مأجورة لا يُترك لهم للمعاش إلا ما يقيهم الموت"، و"ما يحصدونه من أرز وحنطة يذهب إلى موائد أسيادهم، فيما يحتفون الذرة ويصنعون منها خبزا بلا خمير، لا طعم له إذا كان باردا، يختبزون في ملة وقدها من ورث الجواميس والبقر ]الجلة[، فهذا الخبز مضافا إلى الماء والبصل النيء قوتهم طوال العام، ويحسبون سعداء إذا تخلل طعامهم هذا شيء من العسل والجبن واللبن الرائب والتمر، أما اللحم والشحم فمادتان يرغبون فيهما كثيرا، ولكن لا أثر لهما في مأكلهم في غير الأعياد الكبرى".

ويرتدون زيا يميزهم عن أي أجناس مقيمة في مصر، وهي: "ملبسهم كله عبارة عن قميص من الخام الأزرق وجبة سوداء من نسيج خشن، وتعلو رؤوسهم قلنسوة ]الطاقية[ من الكتان يطوقونها بمنديل من الصوف الأحمر".

و"مساكنهم أكواخ ترابية يضيق الصدر من قيظها ودخانها، وتحاصرهم فيها الأمراض الناشئة عن الأوساخ والرطوبة والغذاء الردئ، أضف إلى هذه الأدواء الجسدية ما ينتابهم من خوف الغزو والنهب ]من البدو العرب[ وزيارات المماليك، والانتقامات العائلية، ومشاغل الحرب الأهلية المستديمة. هذه هي صورة تنطبق على كل القرى"[14].


مشاهد بعضها يرجع لزمن الاحتلال الإنجليزي تعبر عما وصل إليه حال الفلاحين بعد مئات السنين من الاحتلالات والعمل لصالح المستوطنين الأجانب


وعن ضآلة عد المماليك قال إن عددهم سواء أمراؤهم أو عبيدهم وكشافة أو معتقين يدور حول 10 آلاف، مئات منهم في القرى والآلاف في القاهرة، فيما العسكر العثمانلي نحو 20 ألفا، ولا يُرى المملوك إلا راكبا فرسه؛ لأنه يظن أن السير على القدمين حط من شأنه؛ لذا حرموا على سكان القاهرة ركوب الخيل، ولا تراهم ينتقلون من مكان لمكان وإن كانا متجاوران إلا على الخيل".

ووصف المماليك بإنهم "ينطوون على نفوس عبيد في أثواب ملوك"، وأنهم "غرباء عن بعضهم لا تربطهم العواطف الطبيعية التي تجمع بين سائر الناس، ولما كانوا لا أهل لهم ولا أولاد، فلا الماضي فعل شيئا في سبيلهم، ولا هم يفعلون شيئا في سبيل المستقبل، وتراهم جهلة تعودوا الخرافات بحكم التربية، والشراسة عن طريق القتل، والعصيان عن طريق الاضطرابات، والخيانة عن طريق الدسائس"، وهم "بصورة خاصة مستسلمون لهذا النوع المخزي الذي طالما كان رذيلة اليونان والتتر ]اللواط[، وهي الأمثولة التي يتلقونها من أسيادهم في السلاح"، متعجبا من أنه "هذا هو نوع الناس الذين يتحكمون اليوم في مقدرات مصر ويرأس الحكومة رجال من هذا الطراز"[15].

رسم يعبر عن المماليك، ويصدق عليهم قول فوليني: "ينطوون على نفوس عبيد في ثوب الملوك"
السكان في الاحتلال العلوي
مع الاحتلال الفرنساوي قدر الفرنسيس عدد السكان بما بين 2-3 مليون، وفي بداية الاحتلال العلوي (عيلة محمد علي)، اتعمل أول إحصاء حديث معروف، وهو إحصاء تقديري، سجله الرحالة الإنجليزي إدوارد وليم لين في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم- مصر ما بين 1833- 1835" ، وفصَّل فيه عدد المصريين والأجانب، وظهر إنه رغم الانخفاض الرهيب لسكان مصر بسبب المجاعات والطواعين والمدابح، إلا إنه فضل السكان الأصليين الأغلبية، لكن بتحكمهم الأقلية الأجنبية.
وجه فيه نصا:

المسلمون المصريون (الفلاحون وسكان المدن)   1,750,000
المسيحيون المصريون (الأقباط)       150,000
العثمانيون أو الأتراك                                  10,000
السوريون (يقصد الشوام عموما)                      5,000
اليونانيون (الأروام)                                    5,000
الأرمن                                                2,000
اليهود                                                 5,000

وأما ما تبقى من السكان (العرب وعرب شمالي أفريقيا (المغاربة) والنوبيين والعبيد الزنوج والمماليك ]أو العبيد البيض[ والجاريات البيض والفرنجة- بحسب تصنيفه- فقدر نسبتهم بـ 70 ألفا، وقال إن عرب الصحارى المجاورة لا يدخلون في تعداد سكان مصر [16].

وفي كتاب "نكبة توطين الهكسوس- النكبة المصرية"، لكاتبة المقالة، تعليق على الإحصائيات دي بيقول: "أي أن المصريين (مسلمين ومسيحيين) مليون و900 ألف، يعني السواد الأعظم بنسبة أكثر من 95%، يكاد لا يذكرهم أحد في كتب التاريخ إلا ضمن الحديث عن جمع الضرايب وتكاليف السخرة، والبقية من الأجناس الذين يملأون كتب التاريخ بأخبارهم وضجيجهم وحكمهم للبلد وصراعاتهم وقصورهم وألوانهم المزركشة وجواهرهم وجواريهم وقراراتهم، ويتصدرون الشاشة في المسلسلات والأفلام التي تتحدث عن هذه الفترة أقل من 100 ألف من الأتراك والمماليك واليونانيين والأرمن والشوام واليهود والعرب والمغاربة والأفارقة، إلخ.. وهكذا كان يُكتب التاريخ[17].

السكان في الاحتلال الإنجليزي

في وقت الاحتلال الإنجليزي اتعمل 7 تعدادات للسكان من سنة 1882- 1947،
هي: "تعداد 1882، و1897، و1907، و1917، و1927، و1937، و1947).
وكانت بتسجل في البيانات والتصنيفات مين المصري ومين الأجنبي وأعداد الأجانب وجنسياتهم بالتفصيل.

ومع كل تعداد يتضح دايما إن المصرييين عددهم أكتر بأضعاف أضعاف الأجانب، رغم كترة الأجانب الجدد اللي جلبتهم عيلة محمد علي من يهود وشوام وأوروبيين وأرمن وترك.

واتضح في التعدادات السبعة إن أكبر عدد وصله الأجانب بكل أجناسهم (عرب وعجم) ظهر في تعداد 1917، وكان مليون و 700 ألف (أوروبيين وترك وعربان وشوام وسودانيين إلخ)، في حين المصريين 11 مليون.

وده أكبر عدد لأجانب عاشو في مصر في التاريخ كله.

وبعد كدة بدأ عددهم يقل بسبب الثورات المصرية (ثورة 1919 وانتفاضة 1935) وتقليل الامتيازات الأجنبية، والحرب العالمية التانية اللي خلت كتير من الأوروبيين يرجعو بلادهم خوف من احتلال الألمان لمصر، وخلت كتير من اليهود يهاجرو لأوروبا أو يروحو فلسطين.

ورغم إن عدد الأجانب بكل أجناسهم كان قليل بالشكل ده بالنسبة للسكان الأصليين،

إلا إنه كان الأجانب هما المسيطرين:
- محتلين مصر عسكريا.
- محتلين معظم الأرض الزراعية والصناعة والتجارة وحتى محلات البقالة.

- محتلين معظم الوظايف العليا في القصر الحاكم والجيش والداخلية والحكومة ككل، وفي الصحف والبنوك والقصور.
- محتلين أفخم الأحياء والشوارع في القاهرة والإسكندرية ومدن القناة.
- متمتعين بقوانين جسدت الظلم في أعلى مراحله في التاريخ، اتسمت بـ"الامتيازات الأجنبية" اللي بتسمح للأجنبي يبرطع اللي هو عايزه في مصر حسب قوانين بلده مش حسب قوانين مصر، وحتى لما يعمل جرايم يتحاكم بقوانين وقضاة أجانب مش تبع مصر، واستمر الحال بدرجات لحد ما اتلغت (وبمعنى أصح اتخففت) الامتيازات الأجنبية سنة 1949بعد الثورات المصرية.

وآخر تعداد أيام الاحتلال سنة 1947 كان المصريين فيه حوالي 19 مليون، في حين هبط عدد الأجانب لحوالي 146 ألف، ورغم ده كان الأجانب لسة محتلين الاقتصاد وليهم قوة عسكرية في مدن القناة، ورغم أن كثيرا منهم كانوا من أراذل بلادهم ومطاريدها.

ولخص الزعيم عبد الله النديم وهو يتجول في شوارع مصر ذات مرة حال البلد أيام الاحتلالات بشعر يطفح سخرية مُرّة[18]:

فما رأيت من قصر لطيف فذلك للمسيو
وما نظرت من جفالك وأباعد فهذا للمستر
ومابلغك من بنك ومتجر فهذا للخواجا
وما سمعت من رفعة وإنعام فهذا للسنيور
قد صار الإسكاف عندنا مهندسا، والمزين طبيبا
وخادم الخيل رئيسا، وذليل بلاده عزيزا، وطريدها محبوبا

ويقول الدكتور عبد الرازق السنهوري في مقدمته لكتاب "الامتيازات الأجنبية" اللي نشره محمد عبد الباري سنة 1930: "فبعد أن كان الأصل أن صاحب البلد يمتاز على الأجنبي، انقلبت الآية في مصر، وأصبح الأجنبي هو الممتاز، والمصري هو الذي ينادي بوجوب المساواة بينه وبين الأجنبي".

وبتعبير مؤلف ذات الكتاب: "كان المصريون إزاءهم ]إزاء الأجانب[ أكثرية تسعى وراء وقاية نفسها من أقلية أجنبية متحكمة"[19].
مباني ومحلات فخيمة في المدن الكبرى في مصر زمن الاحتلال الإنجليزي- العلوي يتملكها الأجانب فيما معظم المصريين يكدون ومعظم تعبهم يسقط أيضا في حجر الأجانب

  الخلاصة...


إنه كل اللي احتلو مصر كان عددهم- سوا احتلال عسكري أو استيطاني- قليل جدا، كان ولا حاجة بالنسبة لعدد سكان مصر الأصليين، من أول احتلال لحد الاحتلال الإنجليزي.

وإنه مش حقيقي إنه مدام المصريين 100 مليون دلوقت فيطمنو، ويحطو في بطنهم شادر بطيخ صيفي، ويقعدو في الضل يغنو تحت السجر يا وهيبة يا ما كلنا برتقان.
لأننا أيام الاحتلالات أكلناش برتقان..

إحنا المصريين أكلنا- بسبب غفلتنا عن خطر استيطان الأجانب بحجة عددهم قليل وتحت السيطرة- أكلنا ضرب على القفا، ومدابح، ومجاعات، وذل، وكرابيج، وسخرة، وضياع مجد حضارتنا من بين إيدينا، وأكلنا معاملة أقل من معاملة العبيد على إيد مستوطنين أجانب عددهم كان أقل مننا بكتير.


فاللي بيقولنا إنتو 100 مليون ومش هيغلبكو 10 ولا 20 مليون لاجئ، إما ما قراش تاريخ مصر كويس، وإما قاصد يضللنا ويوفقنا على أكبر كابوس..

تمام زي الكابوس اللي فاق عليه الأجداد في نهاية الأسرة 6، ونهاية الأسرة 13، ونهاية الأسرة 20، وقبل كل احتلال بعد كدة بما فيهم الاحتلال الإنجليزي اللي كان اعتماده الأول على المستوطنين الأجانب اللي أغرى الأوروبيين سعيد وإسماعيل إنهم يغرقو بيهم القاهرة والإسكندرية بحجة إنهم "عمالة ماهرة شاطرة وخبرة".

 وانتهت كل المشاريع العظيمة اللي اتعملت بعرق ودم الفلاحين أيامهم زي قناة السويس والسكة الحديد والتسليح والمباني الفخيمة ووو في حجر الأجانب، واستخدموهم أدوات لاحتلال وإذلال المصريين.

ومفيش شك إن كترة خلفة المصريين أيام الاحتلالات كان ليها دور كبير في حمايتهم من الإبادة، لأن اللي كان بيروح في الوبا أو المجاعات أو المدابح اللي بيعملها الاحتلال للفلاحين كانت بتتعوض بكترة الخلفة.

ومفيش شك إن كترة العدد كان مهم إنه يرجع يبقى لمصر جيش وطني حقيقي من الفلاحين بعد الثورات، وإن مصر تقدر تستمر تزرع وتصنع وتبني بعد اتحررت من غير حوجة لسكان أجانب، لكن الكترة محتاجة معاها للبركة، والدعوة المصرية الفصيحة بيتقول "ربنا يزيد ويبارك".

والبركة مع كترة السكان هي الصحصحة وقراية تاريخ مصر، والاستفادة من دروسه، ومن غلطات الأجداد، وحماية مصر من أي استيطان أجنبي جديد، تحت اسم لاجئين، تجنيس، عمالة، جواز أجانب، أو أيا ما كان.

الاحتلال الهكسوسي الجديد؟

ودلوقت راجعين.. كل اللي احتلو مصر قبل كدة.. دلوقت راجعين يحتلو مصر تاني، باسم لاجئ، مستثمر، عامل، مجنس، عريس أو عروسة، طالب، مريض بيتعالج، سايح ويبلط، داخل تهريب، أو بحجة إن كان له أجداد أيام الاحتلال مستوطنين في مصر.. راجعين كلهم يحتلو مصر تاني.

واللي ما احتلوهاش جايين يجربو احتلالها، وهما بيشاركو في تضليلنا ويقولولنا إن أيام احتلال مصر، وحكم الأجانب لمصر.. كانت أيام عز وهنا، وإن الأجانب "أصحاب فضل على المصريين"، وإن مصر مالهاش سكان أصحابها، دي لكل الناس، وإن مصر هي بلد كل الأجناس، وإن اللي يقول "مصر للمصريين" (شعار الثورات المصرية ضد الاحتلالات) ويرفض استيطان الأجانب ليها من جديد ده عنده "عنصرية"، و"تعصب" و"تخلف"..لأن  "مصر للجميع".

وينشرو نصباية بدأها كرومر، مندوب الاحتلال الإنجليزي، تقول إن مصر مجرد خليط من الأجناس والأعراق الأجنبية عنها في الأصل، وكأن المصريين الحقيقيين اتبادو كلهم في وبا الاحتلالات، عشان ينفي عنها إن ليها شعب أصلي وأصيل، له وحده الحق فيها، وله وحده يحدد مصيرها من غير أي تدخل من أي جنسية أجنبية.

يقول نجيب محفوظ في روايته "خان الخليلي": "ألا تعلم أن رعاع الغزاة انتهبوا في الماضي أراضينا بحكم الغزو؟ وها هم أولاء يكونون طبقة عالية ممتعة بالجاه والسؤدد والامتيازات لا حصر لها"([20]).

ولو ممكن تتعاد صياغة العبارة الخالدة دلوقت هتكون "ألا تعلم أن رعاع الغزاة ينتهبون الآن أراضينا بحكم الاستيطان والتجنيس وتزوير التاريخ؟ وها هم أولاء يكونون طبقة عالية ممتعة بالجاه والسؤدد والامتيازات لا حصر لها".

بقلم: إفتكار البنداري السيد (نفرتاري أحمس)
_________________________________

المراجع والمصادر:



([1])- العادات والتقاليد المصرية، جون لويس بوركهارت، ترجمة إبراهيم شعلان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط4، ص 97 و108
[2]- بعض جوانب جغرافيا العمران في مصر القديمة، مدحت جابر،  مكتبة نهضة الشرق جامعة القاهرة،1985، ص 45- 47
([3])- للمزيد عن أسباب الخراب في نهاية الأسرة 6 والمشاهد الحزينة اللي صورتها بردية "إيبور ور" راجع: الشرق الأدنى القديم (الجزء الأول مصر والعراق)، د. عبد العزيز صالح، مكتبة الأنجلو، ط2 منقحة، القاهرة، 1973، ص 360
([4])- انظر: تاريخ مصر القديمة، نيكولا جريمال، ترجمة ماهر جويجاتي، دار الفكر لدراسات والنشر والتوزيع،  ط2، القاهرة، ص 237
([5])- الفرعون الأخير رمسيس الثالث: أو زوال حضارة عريقة، فرانسيس فيفر، ترجمة فاطمة البهلول، دار الحصاد، ص 11
([6])- الشرق الأدنى القديم (الجزء الأول مصر والعراق)، مرجع سابق، ص 238
([7])- نفس المرجع، ص 240
([8]) - انظر: مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي، مصطفى عبادي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1999، ص 110
([9])- فتوح مصر وأخبارها، فتوح مصر وأخبارها، أبو القاسم بن عبد الحكم، مكتبة مدبولي، سلسة صفحات من تاريخ مصر، القاهرة، 1999، ص 70
([10])- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط المقريزية)، تقي الدين القريزي، تحقيق محمد زينهم- مديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ،ج 1، ص 230
([11])- فتوح مصر وأخبارها، مرجع سابق، ص 102
([12])- الخطط المقريزية، ج3، مرجع سابق، ص 182
([13])- لمزيد عن تصنيف السكان راجع:الفاطميون تاريخهم وآثارهم في مصر، أميرة الشيخ رضا فرحات، كتاب-ناشرون، ص 316- 317
([14])- عجايب الآثار في التراجم والأخبار، عبد الرحمن الجبرتي، ج2، مرجع سابق، ص 918- 919 (نص رحلة قسطنطين فولني أورده المحقق عبد العزيز جمال الدين ضمن ملاحق الكتاب)
([15])- نفس المرجع، ص 913- 918
([16])- انظر: عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم (مصر ما بين 1833- 1835)، إدوارد وليم لين،، ترجمة سهير دسوم، ط 2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1999، ص 34- 37
[17]- نكبة توطين الهكسوس- النكبة المصرية، ج1، إفتكار البنداري السيد (نفرتاري أحمس)، نشر إلكتروني، القاهرة، 2019، ص 390
([18])- قصيدة نشرها عبد الله النديم في مجلة "التبكيت والتنكيت"، ٩- 10-١٨٨١
([19])-الامتيازات الأجنبية، محمد عبد الباري، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1930، ص 4 و 138
([20])- خان الخليلي، نجيب محفوظ، مكتبة مصر، ط 6، ص 62، ومصر في قصص كتابها المعاصرين، محمد جبريل، ج 3، ص 214

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version