التاريخ الميلادي

الجمعة، 20 مارس 2020

جمال عبد الناصر عن "الوحدة" مع دمشق: الأحزاب والجيش في سوريا أرادوا استغلالنا(وثائق ج2)

في اجتماع يوم 19- 10- 1961، وهو أول اجتماع لمجلس الوزرا بحضور جمال عبد الناصر بعد فك الوحدة المصطنعة عرض الخطوات اللي ابتز بيها السوريين مصر علشان تقبل "الوحدة"، وليه وإزاي الحكومة المصرية قبلتها، وإيه كانت سلوكيات السوريين مع مصر أيام الوحدة المصطنعة، ومين استفاد أكتر منها، وإيه الأضرار اللي جت على مصر بسببها، وإزاي اتحولت سوريا من "صديق"، أو اللي ظهر في مرحلة إنه صديق، لعدو بيتحالف مع بقية أعادي مصر ضدها.
جمال عبد الناصر وشكري القوتلي

جمال عبد الناصر والرئيس السوري شكري القوتلي في اجتماعات توقيع اتفاق "الوحدة"
(المصدر: موقع جمال عبد الناصر)

وحسب الشكوى اللي بتقطَّر مرارة في كل صفحات الاجتماع، فعبد الناصر اعتبر إن السوريين اللي طلبو "الوحدة" اعتمدو على الابتزاز العاطفي لمصر بكذا طريقة:

- ابتزازها عن طريق استغلال تقدير مصر لكل من أعلن دعمه ليها في حرب 1956 ومنهم سوريا.

- ابتزازها بحكاية إن "سوريا ستنهار.. ألا تهمك سوريا؟!"، وإنها لو دخلتش في "وحدة" مع مصر هتسقط في إيدين أعداء القومية العربية، وضرب ناصر كف على كف لأنهم هما نفس الأعداء (السعودية، الأردن، تركيا، بريطانيا، إلخ)اللي اتحالفت سوريا معاهم بعد 3 سنين علشان تضرب مصر .

- اعتمد السوريين على الإلحاح وفرض الأمر الواقع، لدرجة إنهم فاجئوه بزيارة في القاهرة متكونة من 14 من قيادات الجيش السوري، يطلبو الوحدة "حالا"، وفضلوا يطاردو عبد الناصر مطرح ما يروح، علشان ياخدو منه الموافقة على طلب "الوحدة"؛ لأنه كان رافض، حتى في أماكن الشغل، وحتى لما راح بيته يرتاح راحو وراه، ولما طلب مهلة 5 سنين لدراسة الفروق بين البلدين وهل ينفع يتعمل بينهم وحدة ولا لأ، رفضوا، وقال إن سوريا هتضيع.

- الابتزاز بإنه إزاي تكون حكومة ثورة 23 يوليو بتتزعم "القومية العربية" وتدعي للوحدة العربية وفي نفس الوقت لما تعرض عليها سوريا الوحدة ترفض، وإنه لو حصل ده هتتعمل حملة ضد مصر بإن دعوتها للقومية العربية هي للاستهلاك المحلي.

- النفاق، بمعنى إن معظم السوريين اللي طالبو بالوحدة كان بيظهرو عكس اللي جواهم، بتعبير ناصر، وإنهم زي ما قال استغلو "طيبة" المصريين، و"حسن نيتهم"، و"جهلهم" بحقيقة سوريا، وبقو يمدحوه ويمدحو مصر ويتكلمو عن إخلاصهم للقومية العربية والوحدة العربية، وهما جواهم مجرد بيستخدموها سنارة عشان يصيدو أكبر مكاسب من وقوف مصر جنبهم، وكانو بيطلبو "الوحدة" علشان يكون عبد الناصر وشعبيته مجرد واجهة ليهم، في حين إنهم هما اللي يتحكمو وحدهم في سوريا، ولما رفض قلبو عليه.

- كما قال إن من أكبر الأسباب- جنب المؤامرات العربية والمعسكر الشيوعي والغربي- إن سوريا متكونة من مذاهب وتيارات "وأقليات لا حصر لها".

وفي نفس الوقت اعترف جمال عبد الناصر بأخطاءه شخصيا وأخطاء الحكومة عموما، ومنها  التسرع في الموافقة على "الوحدة" من غير دراسة لطبيعة وحال سوريا، ولا خلفية وانتماءات اللي طلبو الوحدة والمتحكمين الحقيقيين في سوريا، وقبول الحكومة لوجود إقطاعيين في المشهد السياسي، سوا في مصر أو سوريا، لمجرد إنهم نافقو الثورة، وقالو إنهم معاها، في حين إنهم بتعبيره "لقد كانوا يخدعوننا حتى يجدوا فرصة الانقضاض علينا".

وفي النهاية شاف عبد الناصر إن مصر كانت الخاسر الأكبر من "الوحدة"، وزادت المدافع اللي متوجهة ليها، في حينت إن سوريا خرجت منها بأقل الخساير وبأكتر المكاسب، سوا المشاريع الزراعية والصناعية اللي أصرت مصر تعملها في سوريا علشان تكون ماشية على نفس مستوى التقدم في مصر، أو على مستوى التجارة، حتى إنه عمل مقارنة بين حال التاجر المصري والتاجر السوري بإنه قال إن "التاجر المصري لما أضيفت سوريا لمصر لم يزد سوقه إلا 4,5 مليون شخص (عدد سكان سوريا وقتها)، أما التاجر السوري فبهذا الانضمام ازداد سوقه 26 مليون شخص (عدد سكان مصر)، ولنقيس الفرق في الأرباح بين الاثنين، فالسوري بهذا يربح أكثر من المصري 3 أضعاف على الأقل.

وهنا نصوص من محاضر الاجتماع حوالين سوريا، مفيش أي تدخل فيها بالإضافة أو التصرف أو الاختصار إلا العناوين اللي باللون الأحمر أو فقرات باللون الأزرق.

1- الرأسمالية السورية والأقليات التي لا حصر لها

الرئيس: "عندما قامت الوحدة جوبهت بعدم الموافقة من عناصر متعددة وهي: أولا الدول الغربية.. بواسطتها تم الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن من أجل الوقوف في وجه الاتحاد بين مصر وسوريا.. لأنها والحكام الموجودين في هذه المنطقة من العالم كانوا يرون في الاتحاد العربي السوري أنه ضد مصالحهم وأنه يؤثر على وجودهم.. هذا علاوة على الإجراء الذي اتخذه الملك سعود ضد الوحدة.. ثم من العناصر السياسية الرأسمالية والأقليات.. التركمان والأكراد ... أقليات لا عدد لها ولا حصر لها". (جلسات الاجتماع ص 2، موقع جمال عبد الناصر)

2- طالبوا الوحدة أول من خانوها
"لقد فرضت علينا الوحدة عام 1958. وفي الحقيقة إننا قبلنا هذه الوحدة وضحينا في سبيلها، كنا نعتقد أن الوحدة لا يمكن أن تتم بهذه السهولة وإذا بدأت فستبدأ معها المتاعب، قبلنا الاتحاد بناء على طلب المسئولين في سوريا، وضحت مصر في عام 1958 بالكثير لتنقذ سوريا من الضياع والانهيار الحتمي الذي كانت معرضة له ولم يكن بد من قبول الاتحاد، وتمت الوحدة، ثم بدأت العناصر الموجودة والتي طلبت الوحدة كل منهما تريد استخدام الوحدة لتحقيق أهدافها، الرأسماليون والبعثيون ورجال الجيش أيضا".  المقصود (الجيش السوري)
 (محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص 3)
القيادات السورية العسكرية والسياسية في محادثات اتفاق "الوحدة" المصطنعة 1958
(المصدر: موقع جمال عبد الناصر)

3- ضرب القاهرة عبر دمشق
"كانت توجد مدافع مصوبة إلينا لا حصر لها سواء من الرجعية العربية أو من الملوك أو من الذين يخافون من انتشار المد العربي بما يؤثر على مصالحهم أو يؤثر على حكمهم ووجوده، ويؤثر على الصهيونية وإسرائيل والاستعمار بما في ذلك السياسيين القدامى الذين كانوا في سوريا ينتهزون الفرص للوصول إلى الحكم، لقد نفذت جهود هؤلاء ضد سوريا وليس ضد مصر؛ لأن القاهرة كانت تُضرب عن طريق دمشق، ولم يكن الهدف دمشق، بل كان الهدف هو القاهرة". (محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص 3)
"والآن أصبحت سوريا معادية لوجود الحكومة الحاضرة والعناصر التي تحكمها معادية أيضا، الذي يحكم سوريا الآن الملك سعود والملك حسين وأمريكا وإنجلترا؛ أي المعسكر الغربي، وأًصبحت اليوم إذاعة سوريا وصحافتها ضدنا وتهاجمنا بعد أن كانت معنا، ووقفت معنا عام 56/ 57/1958، أصبحت صحافة وإذاعة سوريا ضدنا لأن الأجهزة الحاكمة أرادت لها هذا؛ لأن الشعب أمام الدبابات والإرهاب لم يكن له رأي أو صوت واضح".

"واعتقد اليوم أننا نمر بفترة من أدق الفترات التي نمر بها لأن جميع القوى ضدنا، والمكاسب التي حققناها والشعبية التي حصلنا عليها تستدعي من أعدائنا أن يركزوا جهودهم للقضاء عليها قضاء كاملا، أصبحت اليوم جميع محطات الإذاعة وجميع وسائل الإعلام الممكنة لهم ضدنا، ومركزة للهجوم علينا،اُستخدمت ضدنا هذه الوسائل في لبنان بقصد التشهير بنا وأننا وصلنا إلى حالة من الانهيار وأن دعوتنا قد فشلت.. فهم يشوهون كل الأمور لتحقيق أغراضهم".

(محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص3- 4)

كيف بدأت وتمت الوحدة المصطنعة؟
السيد الرئيس: "إن خبايا الاتحاد مع سوريا يمكن أن تكون غير معروفة، لقد وقفت معنا سوريا عام 55 و 56 و57 و1958 100% شعبا.. وفي أواخر عام 1955 توصلنا إلى تكوين القيادة العسكرية المشتركة، وعيَّن المشير عبد الحكيم عامر قائدا عاما للجيش السوري المصري.. واندفعنا في هذا إلى أقصى ما يكن".

"وفي عام 1957 حاول شكري القوتلي أن نعمل اتفاقا ثلاثيا مع الأردن، وأرسل لي رسالة بهذا الخصوص.. وقد عارضت فكرة تكوين قيادة مشتركة بين الأردن ومصر وسوريا.. وكان الفريق جمال فيصل ممثل سوريا في ذلك الوقت، وأرسلته إلى سوريا لمقابلة شكري القوتلي ليفضي إليه بوجهة نظري تجاه الأردن التي لا يمكن أعتبارها دولة عربية خالصة.. ولكن السوريين ضغطواعلينا ضغطا شديدا لدخول الأردن في القيادة المشتركة, وكان وقتذاك حركة وطنية في الأردن، وقد قاومت هذا لأني لم أكن مقتنعا بهذا المنطق.. ولكن نتيجة لإلحاح السوريين قبلت وضعا غير مقتنع به، هذا خطأ لأني قلبت وضعا غير متفق مع تخطيطنا، ولكني قبلته لوجود الموقف الوطني في الأردن وإلحاح سوريا على اعتبار أن يكون في هذا درعا واقيا بالنسبة للخطر الذي يهدد الأمة العربية، وحصل بعد العدوان علينا سنة 1956 تخطيط إنجليزي ووقع انقلاب في الأردن؟، وقضى على العناصر الوطنية وقيل بأنه يوجد انقلاب مصري سوري شيوعي".

"وفي أحد أيام عام 1958 حضرت بدون إذن في الصباح طائرة سورية تقل 20 ضابطا وقابلوا المشير عبد الحكيم عامر، ولم أتقابل معهم حيث كنت في زيارة مع ضيف مصر في هذا الوقت الرئيس أحمد سوكارنو لمدينة الأقصر، وقالوا للمشير عامر بأنهم اجتمعوا مع الجيش، ووجدوا أن سوريا في خطر وتقابلها كارثة لتنازع أربعة أحزاب على الحكم، وأن الباب كذلك مفتوح أمام الشيوعيين وسينقضون عليها".

"والحل الذي اتفق عليه الجميع لإنقاذ سوريا هو طلب الوحدة من جمال عبد الناصر، وكان الشعب في سوريا في هذا الوقت يعبر عن الوحدة، واتخذ البرلمان السوري قرارا بالوحدة، وفوجئت بالوحدة، وكان موضوعا لم أستطع بحثه، حضر الضباط في فبراير سنة 1958 وقالوا بأنهم توصلوا إلى حل وهو الوحدة، قلت لهم ما رأي الحكومة ورئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي، فقالوا بأنهم أرسلوا وفدا لشكري القوتلي، وشكري القوتلي لم يوافق على الوحدة إلا برضاء الجيش، فقلت لهم لا يمكن القبول بهذا لأنكم لستم حكومة سوريا".

"وحتى لا تتم الوحدة عاطفيا بهذا الشكل لأنها تحتاج إلى خمس سنوات ومن الأفضل أن نبدأ بوحدة عسكرية وسياسية وثقافية وأخيرا النواحي الدستورية، لكننا إذا قبلنا الوحدة مباشرة فستقابلنا الصعاب، وإننا على استعداد لعمل برنامج لمدة خمسة سنوات كتمهيد للوحدة الدستتورية".

"ثم قابلتهم ثاني يوم في مجلس الأمة حيث كانت هناك حفلة عشاء احتفالا بالدستور، وبعد العشاء بلغني منهم بأنهم تلقوا رسالة من دمشق بأن الحكومة وافقت على مطالبهم، وسوف ترسل مندوبا عنها لطلب الوحدة رسميا، وحضر صلاح البيطار مندوبا عن حكومة سوريا يطلب رسميا الوحدة، وقلت بأن هذا المطلب يعتبر عملية عاطفية وسياستنا هي القومية العربية.. وهي سياسة الأشباح لأن أعدائنا عندما يريدون ضربنا فلن يجدوا الهدف الذي يضربونه، إذا تمت الوحدة تحولت الأشباح إلى حاجة مادية".

الوفدان المصري والسوري في محادثات الوحدة المصطنعة
الوفدان المصري والسوري في محادثات الوحدة المصطنعة (موقع عبد الناصر)


"ولم أعرف سوريا "حق العرفة" في ذلك الوقت، وجلسنا جلسة طويلة نتناقش، وكان من بين هؤلاء الضباط ضابط شيوعي كان أشدهم تطرفا في طلب الوحدة وهو –عفيف البزري- وكان في هذه الجلسة المشير عبد الحكيم عامر، وقلت لهم بأننا لن نقبل الوحدة بهذه السرعة فقالوا بأن سيادتكم تتكلم عن الوحدة العربية، سوف تواجه الأمر الواقعي بانهيار سوريا وضياعها فكأن سوريا لن تهمك".

"فقلت لهم بأنكم ضباط في الجيش، وإذا تمت الوحدة سوف أخرجكم منه، فقالوا نقبل هذا الوضع، فقلت لهم ليس عندنا في مصر أحزاب ولا أريد أحزابا سوريا، لأن الحزب الشيوعي يتلقى تعليماته من موسكو والأحزاب الرجعية تتلقى تعليماتها من الغرب، وقد وافقوا على عدم وجود أحزاب، وقابلت صلاح البيطار الذي حضر مندوبا عن الحكومة السورية ومعه طلب رسمي بالوحدة، وأصبح الوضع الجيش والحكومة يطلبان الوحدة، ونحن تزعمنا حركة القومية العربية نطالب بالوحدة وتُعرض علينا ونرفضها، حجة هؤلاء في طلب الوحدة إذا لم تتم الوحدة فستضيع سوريا فكان جوابي- نبحث الأمر-".

 "ويستدل من هذا أن الوحدة تمت بانقلاب عسكري سوري في سوريا؛ لأن الضباط أرسلوا 20 ضابطا لشكري القوتلي للموافقة على الوحدة، وبعد أخذ ورد وافق شكري القوتلي بشرط موافقة الحكومة، أصبح كل واحد من المسئولين في سوريا يشكل نفسه على أساس الأمر الواقع، وبعد موافقتي على طلب الوحدة حصل انقسام، قال الضابط الشيوعي بأننا تسرعنا في طلب الوحدة وأن دعوتنا لها رد عنيف- فالشيوعيون ضد الوحدة لأنهم كانوا على ثقة بأنني لن أقبل الوحدة ولهذا انساقوا إلى الدعوة من أجلها، وكان غرضهم- لو رفضت طلب الوحدة- الإدعاء علينا بأن مناداة مصر للوحدة العربية والقومية العربية باطلة وللاستهلاك المحلي.. حضر شكري القوتلي إلى القاهرة وتم التوقيع على طلب الوحدة، ثم وقف شكري القوتلي وقال: "هذا يوم من أيام عمري" هذا اليوم من أيام التاريخ- إلى آخر خطبته".
جمال عبد الناصر وشكري القوتلي
فوجئ عبد الناصر بتغير موقف القوتلي المهاجم لمصر بعد أن كان يشيد بالوحدة
(مصدر الصورة: موقع جمال عبد الناصر)
"والآن رأيت الأمور على حقيقتها، والتاريخ يكتب بغير الواقع، والوضع كان غير مستقر.. خمسة ضباط كانوا يحضرون اجتماع الوزارة السورية وتتم الموافقة على القرارات على الصورة التي رآها الضباط، لقد قلت لهم بأنه يوجد أمامي في مصر خمس مشاكل وإننا بدأنا نستريح، وبإتمام الوحدة ستكون أمامي خمس وعشرون مشكلة.. وسارت الأمور في مجراها الأساسي، وبعد شهر من الوحدة بدأ الترتيب لأول انقلاب في سوريا، واتضح هذا من إجراء عفيف البذري بنقله بعض الضباط الشيوعيين في مناطق معينة، واحتك مع المشير عبد الحكيم عامر وقدم استقالته، وبعد شهر ونصف من الوحدة بدأ كل واحد في سوريا يستعد لعمل انقلاب لأنه يرى أن الوحدة فرضت عليه من الجيش- أقول هذا حتى تُعرف الصورة الحقيقية للوحدة".

(محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 برئاسة جمال عبد الناصر ص 18- 20 موقع جمال عبد الناصر)

دي هي أسباب فشل الوحدة المصطنعة من ناحية السوريين، وملخصها الابتزاز والتآمر والمصلحة الحزبية السورية الخاصة، أما فيما يخص مسئولية الحكومة في مصر فعصر جمال عبد الناصر ومجلس الوزراء عقلهم عشان يعرفو إيه كانت نواحي التقصير، ووصلوا للأسباب الجاية:

1- غياب التعبئة السياسية
عبد الناصر: "إننا نعتبر أن نقطة البداية تبدأ من اليوم.. فمن المشاكل التي قابلناها والأمور التي مرت بنا "السلببية واللامبالاة" التي وجدت في بعض العناصر نتيجة خطأ سياسي كنا نمارسه، وهو الاهتمام بالخطة ومشروعات العمل فقط دون الاهتمام بالعمل السياسي التنظيمي، ودون الاهتمام بتطوير كل أمورنا السياسية حتى نعبئ كل القوى في جانبنا".

"لقد أقمنا في سوريا "سد الرستن" وأقمنا مشاريع كثيرة جدا مثل سد الفرات وخطوط السكك الحديدية وغيرها.. ولكن هل هذا يكفي؟ إننا لم نكن ننبه الناس إلى ما نعمله من أجلهم، وإذا لم ننظم أنفسنا تنظيما سياسيا يعبئ جميع الجهود من الناحية السياسية كما عبئناها في الناحية الاجتماعية والخطة فإن ذلك يؤدي إلى وجود حالة لا مبالاة لدى الناس تجعلهم سلبيين".

"إننا لا نفترض بأي حال أن أعدائنا غافلون عنَّا. هناك بعض الناس الذين سيحاولون أ، يعبئوا هذه القوى في الاتجاهات المضادة لنا كما حدث بالنسبة لسوريا، وسيكون هناك انتهازيون وأناس لهم أطماع، واعتقد أننا إذا لم نتلافى هذا الخطأ في مصر سنقابل صعوبات في المستقبل، كل المدافع وجميع الجهود موجهة اليوم إلى القاهرة، وسيزيد تركيزها على القاهرة".
(محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص 4)

2- طيبة مصر الزايدة، وغفلتها عن النفاق الإقطاعي

"لقد كانت لنا بعض تصورات خاطئة في بعض الأمور، وقد أظهرتها حوادث سوريا، التصور الأساسي والاعتقاد بأننا يمكن أن نقيم تنظيما شعبيا يجمع كل الفئات وكل الطبقات، وكنا نقول إننا نهدف إلى القضاء على الصراع الطبقي في إطار من الوحدة الوطنية وفي إطار سلمي".

"ولكن نوايا الآخرين والحوادث أثبتت غير ذلك، مأمون الكزبري مثلا كان عضوا بارزا في الاتحاد القومي في دمشق، وكان رئيسا لنقابة المحامين، وكنت أراه يشيد بالوحدة، وكذلك عدنان القوتلي كان يشيد بالوحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لعصاصة والضباط الذين قاموا بالحركة الانفصالية، النحلاوي مثلا الذي كان يعمل مع المشير عبد الحكيم عامر شخص كان يبدو عليه أنه من أخلص الناس الذين يمثلون الوطنية والإخلاص، وعصاصة أيضا الذي كان يدير سلاح الطيران مظهره يبدو وكأنه من أحسن العناصر الوطنية، ولكننا نسينا أمرا آخر.. فإننا إذا فتحنا دفتر دليل تليفونات دمشق نجد صفحتين باسم عصاصة والنحلاوي.. وهذا يدل على أنهم من طبقة الرأسمالية.. وقد أخذنا نحن بالمظهر الذي كان يبدو أمامنا بالنسبة لهم وهذا نتيجة "الطيبة" التي كنا نسير بها، وكان اتجاهنا دائما إلى حسن النية وليس إلى سوء النية، ولكن تجمع الكزبري وعصاصة والنحلاوي والاخرون.. جمعتهم المصالح المشتركة وعمليات الصراع الطبقي الموجودة في البلد. لقد كانوا يخدعوننا حتى يجدوا فرصة الانقضاض علينا".
 (محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 برئاسة جمال عبد الناصر ص 5 موقع جمال عبد الناصر)


قبول حكومة ثورة يوليو بوجود إقطاعيين في الاتحاد القومي

"نخرج من كل هذا بنتيجة.. وهي أننا عندما كنا نشكل الاتحاد القومي كنا نجمع كل الناس حتى يكون الصراع في إطار من الوحدة الوطنية، وقد أثبتت ألأحداث أن هذا كان خطأ، ولا بد من تغييره، جميع الإقطاعيين كانوا يتكلمون عن الوحدة، وكان عملهم هذا مهادنة حتى يجدوا الفرصة".

"لقد وقعنا في نفس الخطأ والأساس كله لا بد من تغييره، ولا بد من إيجاد تعريف للقوى الشعبية التي يجب أن نعتمد عليها.. ولكن الآخرين كانوا أقوياء ويمتازون بالمهارة ويستطيعون الوصول إلى مكان الصدارة، ولكن عند الحاجة إليهم وقت الشدة يظهرون على حقيقتهم".

"وأذكر في سنة 1954 أن هناك أناسا ممن يعملون معنا حتى اليوم رفعوا "يافطات" هيئة التحرير عندما قيل لهم أن الثورة قد انتهت ، وفي سنة 1956 حصل نفس الشيء ورغم هذا تركناهم، ومن الطبيعي نتج عن هذا أن العناصر المؤمنة اتبعت سياسة اللامبالاة، وكما ترون أن نفس الأشخاص الذين كانوا يتصدرون في الماضي هم أيضا الذين يتصدرون اليوم، وفي دمشق كان هناك أناس يرفعون الصور ثم يعيدونها أربع مرات في اليوم، يرفعون صورة جمال عبد الناصر ثم يعيدونها إلى مكانها، لأنهم ينتظرون نتيجة الصراع ومعرفة الفائز ليمشوا في ركابه".
جمال عبد الناصر في زيارة لسوريا
أغرى الاستقبال الجماهيري في سوريا ناصر بأن يستمر في الوحدة المصطنعة
رغم اكتشافه لمؤامرات الأحزاب والجيش السوريين عليه (مصدر الصورة: موقع عبد الناصر)
"هذه دروس لا بد أن نتعظ منها في مصر لأننا سنكون عرضة لحشد كامل لكل هذه العناصر، العناصر الغربية، الرجعية والرأسمالية مع العناصر الشيوعية، والسبب الأساسي في ذلك بالنسبة للسياسة الدولية أنهم لا يقبلون أن نسير على سياسة عدم الانحياز، ونحن لا نقبل أن ننحاز، وعدم قبولنا لسياسة الانحياز لا يرضى عنه المعسكر الشرقي أو المعسكر الغربي، كل منهما يأمل أن نكون في صفه، كل منهما يعتقد أن إضعافنا والضغط علينا قد يؤدي بنا إلى المساومة أن يصل بنا إلى نوع من الحل الوسط".

وفي رأيي.. أنه لابد من إعادة تكوين القوى الشعبية أو قوى الشعب الوطنية الموجودة والتي تعتنق فعلا هذه المبادئ، الذين أخذنا منهم الأرض وأممت مؤسساتهم مهما تظاهروا بالرضا فإنهم لن ينسوا أبدا أننا أخذنا أرضهم وأممنا مؤسساتهم، الرأسمالي الذي كان متحكما وحددنا ملكيته أو أممنا مؤسساته إذا ذهب أحدكم مثلا لزيارة المنطقة الموجود بها فإنه سيقوم بنحر الذبائح وتوزيع المرطبات وإقامة الزينات.. هل يفعل ذلك عن طيب خاطر؟ كلا، إن الظروف هي التي تجعله يقوم بهذا، ولكن ما في نفسه لا يمكن أبدا أن يرضى عن هذا الوضع، فلابد إذن من إعادة تكوين قوى الشعب الوطنية بحيث لا نعطي الفرصة للعناصر الرجعية أو الرأسمالية أو الانتهازية لكي تحتل مركز الصدارة وتبعد العناصر الوطنية المؤمنة بنا، وأنا اعتبر أن هذا لابد أن يكون هو الأساس الجديد الذي نعمل به".

"أنا عندي مشروع لهذا الأمر ملخصه أننا لابد أن نجمع جميع العناصر التي تمثل قوى الشعب الوطنية لتكون هي التنظيم السياسي الذي نعتمد عليه،أما الجمع بالطريقة التي سرنا عليها في هيئة التحرير أو الاتحاد القومي حتى الآن ففيها تناقض كبير جدا يتسبب في وجود عدم التناسق، قوى الشعب الوطنية كما أتصورها وكما ذكرت في بياني الأخير- أساسها العمال والفلاحين والمثقفين والجامعات والطلبة والنقابات المهنية والجمعيات النسائية، أي كل الشعب ما عدا الإقطاع والرأسمالية والانتهازية الذين يتقربون حتى يصلوا إلى مكاسب معينة".

"إذا جُمعت قوى الشعب الوطنية على هذا الأساس فلن يكون عندنا تناقض، ولكن سيكون هناك أهداف واحدة نعمل من أجلها.. إننا نجمع الناس الذين يحسون أن الثورة قامت من أجلهم، ولا نجمع الذين يحسون أن الثورة أخذت منهم وحدَّت من نفوذهم، فهؤلاء الأخيرون لا فائدة منهم".

"وما أريد أنه أؤكده هو أننا مهما عملنا من خطة وضاعفنا الدخل القومي في عشر سنوات وبنينا سدودا وأقمنا مصانع للحديد والصلب.. مهما فعلنا... فإننا إن لم نقم البناء السياسي وندعمه فإن كل هذا سيأخذه مأمون الكزبري كما أخذ سد الرستن الذي أقمناه في سوريا، وأنا أقصد بذكر مأمون الكزبري العناصر الرجعية أو الفئات الرأسمالية أو الدول الاستعمارية".
(محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص 5- 7)

وفي آخر الاجتماع استعرض عبد الناصر مع الوزراء شكل التعاون المقبل مع سوريا ظهر أنه فيه اتجاهات مختلفة في الحكومة حوالين مستقبل العلاقات مع سوريا، ففي حين رأى عبد المنعم القيسوني استمرار التسهيلات اللي بتقدمها مصر لسوريا زي تخفيض الجمارك أو أعفاء البضايع السورية من الرسوم الجمركية- رغم إن سوريا كانت هتعيد التعريفة الجمركية مع مصر ومعاملة البضايع المصرية معاملة البضايع الأجنبية- بحجة إن مصر ما تقابلش الإجراءات دي بنفس الطريقة علشان تحافظ على "فرصة إقامة سوق عربية مشتركة تواجه التكتلات الاقتصادية الغربية"، طالب فتحي الشرقاوي بـ"أن نلتزم في حدود مصلحتنا"، و"غايتي ليست دعوة إلى الانكماش، والوضع المادي لابد أن يحدد في كل مجال، وقد التزمنا طريقنا عن دراسة وتخطيط كما حدث الآن بالنسبة للإبقاء على الاعتمادات الجمركية لسوريا وعدم الاستيراد منها".

ورد عبد الناصر على اقتراح القيسوني بأن:

"سوريا وحكومتها في الوضع الحالي لن ترحب بأية خطوة من جانبنا، كما أنها لن تقوم بأية خطوة للتقارب بين البلدين، من الممكن أن بعض الصناعات قد تأثرت عندنا خصوصا صناعة الحرير، ومن الممكن أن نسير بما هو موجود عندنا ولكن لن نستورد". (محضر مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص 36)

"كان المجال أمام التاجر السوري أكثر من مجال التاجرالمصري.. لأن التاجر السوري كان يعمل لإقليم تعداده 4,5 مليون نسمة .. أما التاجر المصري فكان يعمل لإقليم تعداده 26 مليون نسمة".

(محضر اجتماع مجلس الوزراء 19 أكتوبر 1961 ص 35- 36)

أوراق المحضر:

ص 3
صفحة 4
صفحة 5


صفحة 6
صفحة 7


صفحة 18
صفحة 19
صفحة 20
صفحة 35
صفحة 36
المقال بقلم: إفتكار البنداري السيد (نفرتاري أحمس)
_____________________
المصدر: 
محضر اجتماع مجلس الوزراء بحضور الرئيس جمال عبد الناصر في يوم 19- 10- 1961، ويمكن تصفح المحضر وتنزيله من على موقع عبد الناصر من هنا
أو نسخ الرابط

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Legacy Version