غلاف كتاب نكبة توطين الهكسوس |
لماذا هذا الكتاب (المقدمة)
في 2011، يوم الزلزلة العظيم..
ليس فقط فيما اجتاح بلدنا من فوضى هبت بزئيرها المزعج المخيف كالريح هوجاء السموم من الاتجاهات الأربعة، كالغول الجائع يكاد يكتسح في طريقه كل شيء، مسلحا بالنيران وأصوات الرصاص والعصابات، تنتهك حرمات كل شيء،لكن أيضا فيما اجتاح نفوسنا وعقولنا من اهتزازات أوشكت أن تقتلعنا من الجذور.. الجذور رأس مالنا الحقيقي كمصريين.
ففي خضم الميدان الهائج بأحسن أنواع البشر وأسوأها، وتحت الأضواء الساطعة، علت أصوات تتصارع كالذئاب اللاهثة على فريسة مكبلة، هذا يرفع شعار "مصر إسلامية"، وذاك "مصر عربية"، وذاك "مصر مدنية ليبرالية"، وهذا "مصر علمانية"، وآخر "مصر أم الدنيا لكل المذاهب والأجناس".. عددهم قليل وصوتهم كالهدير..
لكن في الظل، هناك في البيوت والأرياف والحواري،
كان العدد الأضخم من الناس، الغالبية، تتردد في صدورهم كلمة واحدة فقط "مصر"، لا قبلها شيء، ولا بعدها شيء، لكن لا يعرفون كيف يقومون بتوصيلها ، صوتهم مكلوم مكتوم، يتركون المتعلمين الذين صرفوا عليهم دماء قلوبهم يتحدثون عن مصر كيفما شاءوا.. يتخيلون أنهم الأدرى والأعلم.
أنا من المتعلمين، لكني فلاحة قام فلاحين مصريين بتربيتى على أنها مصر، مصر وفقط، لم أسمع في قريتي كلمات مصر الإسلامية ومصر المدنية ومصر الليبرالية ومصر العلمانية وغيرها، فتكلمت في الميدان وسط المتعلمين بكلام الفلاحين، قلت إنها مصر . فقط مصر المصرية.. فضحك بعضهم، وسخروا.
إنهم يهزون كل شيء هزا، قالوا إن "ثورة يناير 2011 هي أفضل الثورات في تاريخ مصر"، ومنهم من قال: "هي الثورة الوحيدة في تاريخ مصر".. لم يذكروا ثورات 1881 و 1919 و 1952 إلا بالسباب وتزايد السباب لثورتي 1881 و1952 لأن قادتهما من جيش الفلاحين، قالوا إنها ثورات عسكر وانقلابات، لكنهم يمدحون محمد علي وإسماعيل وفاروق والمماليك ونابليون والإسكندر والمعز لدين الله وهارون الرشيد وصلاح الدين،
تعجبت وقلت ألم يكونوا عسكر؟ نعم عسكر، لكنهم عسكر أجانب، ليسوا فلاحين... هل السر إذن في كراهية الفلاحين؟ ولماذا يكروهون الفلاحين؟
إنهم يكرهون ثوراتنا.. لكنهم يمجدون ثورات فرنسا وإنجلترا وروسيا التي قادتها تنظيمات عالمية وفجرت براكين الدم والمذابح والحروب الأهلية والاحتلالات على العالم.. لماذا يكرهون ثورات الفلاحين إذن؟ هل لأنهم ضد الحروب الأهلية والاحتلالات والتنظيمات العالمية؟ أم لأنهم المصريون الحقيقيون؟
لم يكن ميدان التحرير في 2011 مجرد ميدان ثورة تهتف لمصر.. كان ميدانا يضم مصريين حقيقيين يهتفون بحريتها، ويضم أيضا "مصريين" مزيفين دعاة كل احتلال قديم يتمنون أن يعود ليحتل مصر ! إن روائح الهكسوس تهب في كل مكان، هكسوس الشرق والغرب والجنوب والبحر، بل إن بعض "قادة الميدان" هكسوس حقا.
قبل زلزلة 2011 كنا كأننا نسير على بحر بلا أمواج، لا حركة لا روح، كأنه لوح زجاج ميت، لا نعرف إلى أين نسير، وإذ فجأة تلاطمتنا الأمواج العاتية، كل موجة كالجبل تريد أن تدفعنا بكل قوتها أمامها.. تفرقنا،
كل مجموعة من المصريين سارت برغبة منها أو رغما عنها في اتجاه.. تقتلعنا من الجذور، تفرقنا أشتاتا أشتاتا.. وقائد كل موجة من الهكسوس، كالشيطان يرانا ولا نراه !
في 2012.. البلد تموج بورش عمل ومناقشات حادة حول الدستور الجديد المقترح وضعه، الخناقات منصوبة حوله بين جميع الناس- خاصة المتعلمين- وسط محاولات حزبية قبيحة لاقتناص مصر لهذا الحزب أو هذا التنظيم، خصوصا مع تنمر تنظيم الإخوان المسلمين وجماعات السلفيين، ومن يصفون أنفسهم بـ"الثوريين" من علمانيين وشيوعيين وليبراليين وعروبيين.. الحيرة تمزقنا، والبلد تختنق... وروائح الهكسوس تسمم الهواء.
في قاعة من قاعات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة العريقة، احتشد لفيف من الأساتذة الخبراء في القانون والدستور والعلوم السياسية مع عشرات من الجمهور، عرض فيها الأساتذة مشروعاتهم المقترحة للدستور المنتظر، فرَّقوا علينا نسخا ورقية من المقترحات لنقرأها ونقول رأينا كعينة من الجمهور، فلما طلبت الكلمة قلت لصاحب المشروع الذي في يدي:
- أنا قريت مشروع الدستور، بس ما لقيتش فيه حاجة عن هوية مصر خالص، حاجة تميز مصر.
الدكتور: حاجة عن هوية مصر وتميز مصر زي إيه مثلا؟!
- يعني مثلا في تعريف الدولة والنظام السياسي المكتوب فيه زي دول تانية كتير، وفي النظام الاقتصادي ما لقتش حاجة تعرف نظام الاقتصاد في مصر ويكون معبر عن هويتها.
الدكتور متململا باستياء: يعني عايزانا نكتب في تعريف الدولة ومصر إيه مثلا؟
قلت بعفوية طفولية.. أو فلاحية:
- يعني الدستور يبين إن مصر مصرية.
الدكتور: مصر مصرية؟! يعني إيه مصرية؟؟
ثم ضحك، وضحك آخرون معه، ضحك سخرية
لم يغضبني ضحكهم ولا سخريتهم، ففضلا عن أنهم أساتذتنا وكبراءنا، فأيضا هذه الإجابة لو قلتها أمام كثير من المصريين- أصحاب الشهادات العالية- سيضحكون لأنه مر علينا أجيال وأجيال، بل قرون، لم يكن من حقنا أن نقول إن مصر مصرية، ولا أن حق مصر أن يكون لها نظامها الخاص في الحكم والاقتصاد والثقافة وكل مجالات الحياة كما كانت عليه لآلاف السنين وهي حرة.
يقولون في مشاريع الدستور مصر مدنية/ علمانية.. هناك عشرات الدول تصف نفسها هكذا.. فمن فيهم مصر؟
يقولون إن مصر إسلامية، هناك 56 دولة تقول إنها إسلامية... فمن فيهم مصر؟
يقولون مصر عربية، هناك 22 دولة تقول إنها عربية.. فمن فيهم مصر؟
يقولون مصر اقتصادها اشتراكي، أو يتبع السوق الحر، هناك عشرات الدول هكذا، فمن فيهم مصر؟
هناك في الأرياف والحواري، بعيدا عن الجامعات الفخمة، والشهادات الفخيمة، والنظريات المنفوخة، إذا قلت مصر مصرية سأجد كثيرا ممن يقول: "أيوة طبعا بلدنا مصرية أومال أجنبية يعني يا بنتي؟!".. هناك حيث ما زالت بقية طاهرة منزهة عن الحزبية السياسية والدينية وعُقد الهوية المستوردة.
يقول توفيق الحكيم في لقاء مع التلفزيون المصري وفي كتابه "مصر بين عهدين" إنه حين ذهب سعد زغلول مع زميليه إلى المندوب البريطاني وينجت يطلبون تصريحا بالسفر لعرض قضية مصر على مؤتمر الصلح بباريس سألهم: ومن هى مصر التي ستعرضون قضيتها؟! فقالوا مصر بلدنا، قال: لا نعرف بلدا مستقلة اسمها مصر، بل بلد إما تابعة لحكم العثمانيين أو لثقافة العرب، اسمها القطر المصري وليس مصر، وكانت النتيجة- يقول الحكيم- أن المصريين قرروا أن يملأوا كل مكان في مصر باسم مصر، وطعم مصر، وهوية مصر، فخرجت مشاريع بنك مصر كلها تحمل اسم مصر، والمسارح والروايات والأشعار تتحدث عن مصر الخالصة، لا عثمانية ولا عربية ولا أوروبية.
وفي ندوة في بيت السناري- التابع لمكتبة الإسكندرية- وجدت مع زميل كتاب عن تاريخ مصر من الفتح العربي وحتى العثماني، الكلام فيه عن سياسة العرب في مصر والطولونيين والإخشيديين والعبيدين (الفاطميين) والمماليك، لم أجد فيه مصر السعيدة بحكم هؤلاء التي يصورونها لنا في التعليم والمسلسلات، لم أجد إلا مصر مغصوبة يتيمة منهوبة تدوسها أقدام كل الأجناس الأجنبية، عرب وعجم، مسلمون أو مسيحيون أو ويهود.
قلت أكيد هذا الكتاب كتبه مستشرقون أعداء للإسلام وللعرب، نظرت في المراجع وجدتها من أئمة الكتب القديمة، ابن عبد الحكم، الكندي، الطبري، المقريزي، ابن تغري بردي، ابن إياس، إلخ، عرب مسلمون لا يفترون على العرب ولا الإسلام، قررت اشتري هذه المراجع التاريخية القديمة أو اقرأها من على الإنترنت... وتأكدت أن مصر حينها لم تكن مصر تلك التي يعلمونها لنا في المدارس والمسلسلات الدينية حتى يقنعونا بأن "مصر عربية"، وأسعد عصورها عصور "الخلافة الإسلامية" حين هبطت عليها هجرات أجنبية بوجه غير وجه مصر، يا ترى كم عصر من العصور تعلمناه بمعلومات كاذبة، معلومات تريد أن تقول لنا إن مصر.. ليست مصرية.
إن معظم كتبنا ومسلسلاتنا وأفلامنا تقول لنا إن أعظم عصور مصر وهي يحكمها الأجانب، نادر أن تقول إن أعظم عصورها حين حكمها أولادها، فلاحوها.. هل هذا يستقيم مع بلد تصف نفسها بأنها "بلد حرة"؟
يقال إن ثورة 23 يوليو 1952 زورت التاريخ، وأن حكم الأجانب قبلها كان "فل الفل"، إذن فلنعود إلى الكتب والصحف الصادرة قبل 1952 لنعرف الحقيقة، عدت وقرأت وعرفت، لكن الحقيقة ناقصة، إنه لنعرف حقيقة 23 يوليو يلزم أن نقرأ المكتوب أيام محمد علي والإنجليز، ولنعرف حقيقة ذلك يلزم أن نقرأ المكتوب أيام العثمانيين والمماليك، ولمعرفة حقيقة أيامهم يلزم أن نعرف ما كان عليه الحال قبلهم أيام الأيوبيين، ولنعرف حقيقة هؤلاء وهل كانوا خيرا أم شر على مصر يلزم أن نعرف حال مصر قبلهم أيام العبيديين (الفاطميين)، وهكذا، فيلزم أن نقرأ ما كان قبلهم أيام العرب ثم الرومان واليونان والفرس إلخ.. حتى نأتي إلى الأرض الثابتة، الأصل، في أزمنة الحكم المصري الخالص، نجلس وسط المصريين الحقيقيين، قبل أن تشوبهم الشوائب، يوم أن كان لا صوت فوق صوت الفلاح، نسمع منهم هل كان حال مصر أفضل أم ما كان عليه في عصور الأجانب (الهكسوس من كل جنس)؟
الشوارع مليئة بالكتب، الأرصفة، المكتبات المجانية في المدارس والجامعات وقصور الثقافة، المكتبات العامة، سور الأزبكية، ليس أكثر ولا أرخص من الكتب في مصر، الإنترنت مكتبة عظمى، ببلاش تقريبا، من يريد أن يعرف حقيقته وتاريخه فليغرف وليقرأ، لكن ماذا نقرأ وكيف نقرأ في هذا المحيط الخضم، إن الحدث الواحد حوله ألف كتاب يكذب بعضهم بعضا، وأحيانا يصدق بعضهم بعضها...
أين تاريخ مصر.. بل أين مصر!
عايزة أشوف بلدي، هذه الروح الدافئة التي تسكننا، عايزة أشوفها من غير أي سحب وضباب.
بالتأكيد توجد الحقيقة والمصريون الحقيقيون الذين يخبروننا بها بين هذه الكتب، ولكن كيف نجدهم.
دلَّني زميل على كلية الآثار، أن أدرس فيها، إن من يريد أن يقرأ التاريخ حقا يجب أن يكون عنده الحس العلمي لاختيار الكتاب، يعرف من كتبه، كيف كتبه، ما دقه مصادره، في كلية الآثار بداية من 2013، وعلى إيدى أساتذتها العظام، ولعدة سنوات، علموني وأهدوني هذا الحس العلمي في الاختيار.
أهم ملحوظة في هذا المشوار الشاق، أنه كلما عاد المصري في قراءة كتب التاريخ للوراء- المكتوبة على يد المعاصرين لكل فترة- أكثر ما يسمعه يصدر من الكتب هو صوت المستوطنين الأجانب، هؤلاء القادمين من اليونان، أو جزيرة العرب، أو الشام، أو المغرب، أو القوقاز، أو بلاد الروم، أو الأتراك، هؤلاء يملئون كتب التاريخ القديم بصخبهم ومعاركهم وأطماعهم وآرائهم، يصفهم المؤرخون مثل المقريزي والجبرتي بأنهم "المصريين"، مع أنهم في نفس الوقت يشهدون بأنهم ليسوا مصريين، يقولوا فلان القادم من الشام، وفلان المجلوب من بلاد الغز (الترك)، وفلان القادم من المغرب، إلخ.
أين المصريون الحقيقيون غير الوافدين إذن؟ انقرضوا؟ أم هم هؤلاء الذين يوصفون في هذه الكتب العتيقة بتعالي بكلمة "الفلاحين" و"المحليين"، الكم المهمل في الأرياف الواسعة، الكل يتصارع لامتصاص ما فى عروقهم إلى آخر نقطة دم، ليس لهم كلمة وصوت في كتب التاريخ في معظم عصور الاحتلالات، كل هذه القرون صوتهم مكتوم، وغيرهم من كل الأجناس يتحدثون باسمهم !
قبل الاحتلالات.. منقوش السؤال والجواب، حين كانت مصر كشمس رع، ظاهرة صافية، بلا ضباب، من هنا، من أزمنة التاريخ المصري القديم قبل الاحتلالات، يجوز أن نعثر على بذور الحقيقة، من هنا نسير مع موكب التاريخ عصر وراء عصر، نسير وراء الفلاح نفسه،
كيف كان، وكيف أصبح، وماذا حصل له في الاحتلالات، كيف جاءت الاحتلالات أساسا، خنع لها، أم غُصب عليها، أم قاومها، كيف غار صوته وصورته في جوف ظلمات التاريخ حتى ظنناه انقرض رغم أنه باقي لحما ودما.. يعرق ويكدح ويقدم الإنجازات، ويكتبونها على غير اسمه !
حين يسير القارئ بمهل مع كتب التاريخ- المكتوبة في كل عصر- يستكشف، وإن كان بصعوبة، إجابات على أسئلة حيرتنا كمصريين:
- كيف سقطت مصر العظمى وتسلمها احتلال بين قدميه ليسلمها لأقدام احتلال آخر مئات السنين؟
- أين ذهب المصريون؟ المصريون الحقيقيون أحفاد مينا ومنتوحتب وأحمس؟ هل هاجروا من بلدهم كما يدعي البعض؟ هل أبادتهم نهائيا سيوف المحتلين؟ هل تكاثر عليهم المستوطنون الأجانب فذابوا فيهم فلم يعد في مصر مصريون أصلاء؟ أم ما زالوا ملتصقين بأرضهم كطمي النهر؟
- من إذن يستحق أن يُقال عليهم مصريون اليوم؟
- هل حقيقي أن مصر بوتقة للهجرات الأجنبية، أما الحقيقة أن هذه الهجرات محرقة المصريين؟ أشنع محرقة عانى منها بشر لمئات السنين المتواصلة.
- من حقا أثَّر في الآخر، هل تمصرت الهجرات الأجنبية أم صبغت كل هجرة مصر بصبغتها حتى صارت كمن يرتدى قناعا قبيحا مرقعا من كل الأشكال والألوان؟
- هل حقيقي تاريخ مصر "طبقات" كطبقات "التورتة"، فرعوني ويوناني وروماني وعربي وعثمانلي وإنجليزي إلخ كما يقال؟ أم أنها مجرد "أقنعة" ألصقها المستوطنون المحتلون غصبا على وجه مصر الصبوح لتخفيه ويبررون وجودهم وفرض ثقافتهم على مصر؟
- لماذا كلما زادت "الطبقات" المصطنعة (الأقنعة) فوق وجه مصر كلما زادت الجرائم، المظالم، الشرور، العادات القبيحة، الحزبية، القلق، وتباعد المصريون عن بعضهم، وتباعد المصريون عن مصر، وتكبروا على كلمة الفلاح؟
- لماذا يمجد معظم المصريين المتعلمين محتليهم؟ يسخرون أنفسهم لكتابة كتب تمجد المحتلين من كل لون وتقدمهم كأصحاب "فضل" على مصر!
- لماذا في مصر ما زال أحفاد المحتلين والمستوطنين يفتخرون بأصول أجنبية لأجدادهم؟ لماذا بكل جرأة يقف شخص يقول أنا مصري من أصل يوناني، أو مصري من أصل قبلي عربي، أو مصري من أصل أرمني، أو مصري من أصل تركي؟ ولماذا بعضنا يقبل هذا منهم ويشجعهم؟
- ما تأثير كل هذا على ما تكابده مصر من سقطات كلما نهضت؟ ومن أزمة هوية، من سؤال: "من نحن؟".
- أين ذهبت لغة المصريين المقدسة؟ إحدى أقدم وأزهى لغات الأرض؟ لماذا فقد المصريون لغتهم في حين لم يفقد الترك والفرس والهنود والأوروبيون لغاتهم؟ وهل فقدناها تماما أم ما زال فيها الرمق؟
- ما هي أساسا أسباب نهضة مصر في أي زمن وما هي أسباب سقوطها واحتلالها؟
- هل حقا مصر "مقبرة الغزاة"، أم الحقيقة أن مصر "جنة الغزاة"؟ أكثر الدول التي يجيد الغزاة احتلالاها عبر التسلسل واللسان المعسول، ولا يجد فيها الغزاة عقابا حقيقيا على ما اقترفوه من جرائم- عدا مرات نادرة- بل يجدون أحيانا التكريم والتمجيد، حتى أن كثيرا من شوارع ومدن مصر مسماة بأسماء الغزاة!
- من قاوم الغزاة حقا؟ من سالت دماءهم فيضانا كفيضان النيل وهم يثورون ضد استيطان الأجانب؟ وما أن يثوروا حتى يظهر على الساحة من يدَّعون أنهم مصريون ويقتلون ثوراتهم.
- كيف تحول مصريون متعلمون من روح واحدة إلى أحزاب وشيع وتنظيمات تكره بلدها وتعبد الأجنبي؟
- كيف تحولنا من أننا نعرف أن مهمتنا المقدسة هي حماية مصر أرضا وهوية، وبنائها بأيدي وعقول وأموال المصريين إلى الظن بأن تمليك الأجانب للأرض وتقديم شرف الجنسية المصرية لهم باسم استثمار أو منح، وخلط الأجناس بالمصريين هو الطريق لتنمية مصر؟
من يتحدث باسمنا ويقول هذا الكلام؟ هل نحن المصريون حقا؟ أم المستمصرون المجنسون وبواقي الاحتلال؟ أم أرواح شريرة بداخلنا صنعها التاريخ المزور، تسكن أجسادنا وتنطق باسمنا، بعد أن نجح المحتلون في تصفية المصريين من مصريتهم وذاكرتهم، وإن بقيت عروقهم تحمل دماء مينا وأحمس.
- من يحكم مصر حقا؟ .... هل المصريون الحقيقيون أم ظلال وأفكار وهويات الاحتلال، وبواقي دماء احتلالية لم تتطهر من أصول دخيلة؟
هذا وغيره يحاول الكتاب استكشافه، ويستطيع المصري وهو يسير في موكب التاريخ مع كتبه القديمة أن يلمسه، ويجد إجابات له، شرط أن يقرأ بعين فلاح، ويشعر بقلب فلاح، ويقيم الأحداث بعقل الفلاح، ذاك الذي لا يؤمن له بأصل أو هوية إلا أرض مصر ولونها..
فلا تختلط أمامه الأوراق، لا تختلط الأجناس، ولا يتوه وسط الثقافات الدخيلة، ولا يتمزق أو يضل بسبب الخطوط والفواصل الوهمية التي اختلقها بعض كتاب التاريخ في القرن 19 لتمزيق تاريخ المصريين بتقسيمه إلى (فرعوني، قبطي، يوناني، روماني، عربي، فاطمي، أيوبي، مملوكي، عثماني، حديث) يستطيع أن يلتقط صوت جده الفلاح وسط ضجيج كل أصوات التاريخ التي زحمت بلاده في الماضي، مهما انخفض صوت جده، سيصل قلبه بقلبه، ودمه بدمه، وأرضه بأرضه، ومصريته بمصريته.
يراه وهو وحده الثابت في هذه الأرض، هو وحده الحقيقة، الكل يتغير، المحتلون والجاليات الأجنبية واللغات والأديان، الثابت الوحيد طوال هذه الآلاف من السنين هو الفلاح المصري "كيمتي" وأرضه (وهما وحدة واحدة لا تتجزأ)، المغروسة فيها قدمه المشققة من طول الزرع في طينها، القابضة يداه الخشنتان من الشقاء على الفأس وهو يزرع، والقابضة على آداة الحرفة وهو يصنع، وعلى الطوبة وهي يبني، الباسمة شفتاه رغم كل شيء، المرفوعة عيناه إلى السماء أملا وعشما في النجاة.
لكن هذا عمل شاق طويل، سار فيه الكثير والكثير من أساتذتنا مثل الدكاترة سليم حسن، عبد العزيز صالح، سيدة كاشف، آمال الروبي، زبيدة عطا، علي بركات، عاصم الدسوقي، رءوف عباس، سامي عزيز، عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، وآلاف غيرهم، وأنجزوا، في كل المجالات، وهم يتتبعون حال الفلاح في الهوية واللغة والدين والأخلاق والملابس والآداب والأغاني والأكلات والثورات وعلاقته بالأجناس والثقافات الوافدة، وعدد السكان، حاله في الزراعة والصناعة والتعليم، من أول الزمان وحتى الآن، دخلوا إلى الأرشيفات العتيقة ومخازن البرديات والوثائق المخفية تحت ركام التراب، واستخرجوا منها في رسائل الماجستير والدكتوراه المعلومات المكنوزة المخفية أو المهملة عن المصريين الحقيقيين، وكيف كان حالهم في كل عصر، فقط يحتاجون اليوم الذي تفوق فيه الدولة لمصريتها، وتلملم مجهود هؤلاء الأساتذة الفلاحين، وتنشئ المكتبات المخصصة التي يتوجه إليها المصري ليعرف من هو المصري الحقيقي، وكيف كان، وكيف أصبح، في كل المجالات، بتاريخ كتبه المصريون الحقيقيون.
.........
والى لقاء قادم مع الجزء الثانى من ( لماذا هذا الكتاب )
مراجعة لغوية: أ. أسامة عبد المعطي
الكتاب بقلم: إفتكار البنداري السيد (نفرتاري أحمس)
0 التعليقات:
إرسال تعليق