(تابع المقدمة عن أسباب عمل الكتاب)
غلاف كتاب نكبة توطين الهكسوس |
مهمتي أني كنت عازمة- بمشيئة الله- على أن استغل دراستي الإعلامية والأثرية في أن ألملم بعض مجهود هؤلاء الأساتذة في هذا الكتاب، ليجد المصري الخطوط العريضة لمسيرة أجداده في كل هذه المجالات بعيدا عن الغشاوة التي دفع كثير من هؤلاء الأساتذة من أعمارهم لتزول وتشرق شمس مصر مرة أخرى، لكن وجدت أنه بالتأكيد لا يحتويها كتاب، بل سلسلة كتب، كل كتاب يخص مجال من هذه المجالات، وتحمل السلسلة اسم "هويتي مصر".
أما من أين أبدأ، فإن حال مصر الآن هي من فرضت البداية، فمنذ 2011 ومصر في عملية تغيير لدمها وجلدها وروحها، طوفان من الأجناس يُقذفون على مصر باسم لاجئين وعمالة وتجار، ملايين دخلوا في وقت قصير، وفي وقت قصير أيضا سيطروا على مناطق واسعة من الأرض والاقتصاد والثقافة، وما أن استقروا حتى تدفقت ورائهم قوانين تسهيل تمليك وتجنيس وتوطين الأجانب! طوفان من أجناس متصارعة عرقيا وطائفيا وقبليا، تخربت بلادهم لحزبيتهم وطائفيتهم، فمن له مصلحة في أن يقذفهم مع أسباب الخراب إلى مصر؟
إن قصة تسليم مصر للهكسوس من جديد بدأت منذ 1974، بقوانين صنعت مراكز قوى أجنبية تحكم البلد باسم مستثمرين ومجنسين ومستشارين وبيوت الخبرة الأجنبية، ثم جاءوا اليوم طوفانا من البشر، بالملايين، باسم لاجئين ومستثمرين، لسانهم حلو ووعودهم براقة، بل ويفرضون لونهم وهويتهم وأسمائهم على كل شارع ومكان يسيطرون عليه، ويمحون كل ما يخص مصر، قدموا لمصر بأعداد لم تشهدها مصر للأجانب في تاريخها، إن من يتابع رصد وتحاليل أساتذتنا في تحليل فترات سقوط وصعود مصر ليوقن كل اليقين أن ما تمر به مصر اليوم هو الطريق إلى النهاية، نهاية مصر بكاملها، فقد تجمع في سماء مصر وأرضها كافة أسباب احتلال مصر وسقوطها بل وإبادتها.
يشير الحكيم "إيبو ور" للمستوطنين الأجانب في برديته كأحد أسباب انتشار الفوضى في نهاية الأسرة 6 قبل سقوطها: "انظر! لا صانع يعمل، والعدو يحرم البلاد حرفها([1])" فبعد أن كثر المستوطنون: ""تخربت الأقاليم، وتوافدت قبائل قواسة غريبة إلى مصر، ومنذ أن وصلوا لم يستقر المصريون في أي مكان (...) وأصبح الأجانب مصريين في كل مكان... وأولئك الذين كانوا مصريين أصبحوا أغرابا وأهملوا جانبا([2])".
ويتتبع نيكولا جريمال جذور الاحتلال الهكسوسي في نهاية الدولة الوسطى قبل سقوطها فيرصد أن تدفق العمالة الآسيوية هو بداية حركة هجرة متصلة وسلمية، ولكنها ثابتة ودؤوبة، أدت إلى استقرار بعض الشعوب على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، جاءت بعد أن طردتها من مواطنها الأصلية هجرات جديدة هاجمت الشام، حتى إذا آن الأوان نزع المهاجرون إلى الاتحاد ليحتلوا المناطق التي تقع تحت أيديهم، وعادت الآليات التي كانت وراء سقوط الدولة القديمة إلى الظهور، وتتمثل في إضعاف الدولة وما ترتب عليه من انفراط عقد وحدة البلاد([3]).
ويرصد فرانسيس فيفر في كتابه عن أسباب سقوط الدولة الحديثة بعد الأسرة 20 في يد المستوطنين الأجانب: "شقية هي أرض مصر، كم تعرضت للأطماع طوال العقدين الماضيين! أطماع الوزراء، أطماع كبار الكهنة والنساخ، بل أطماع الأعيان الأجانب أيضا، لقد فتحت غزوات الفراعنة في القرون الأخيرة باب البلاط الملكي أمام هؤلاء الأجانب. في البداية كانوا سفراء لبلادهم، ثم أصبحوا مستشارين بارعين لدى الفراعنة، وأخذوا يؤسسون سلالات قوية من الأعيان تحيط بأصحاب العرش"([4]).
وبتعبير د. عبد العزيز صالح فإنه على الرغم من هذا التساهل النسبي في توطين الأجانب يعتبر مكرمة للخلق المصري، إلا أنه جرَّ على مصر بعد ذلك شرورا كثيرة كانت في غنى عنها لو أنها استأصلت شأفة أعدائها من جذورها([5])"؛ لأن "الخطر كل الخطر كان يتمثل في ألا يخلو إخلاص هؤلاء النزلاء لها من شوائب، وأن يتمصروا بمظهرهم وليس في مخبرهم، وأن يظل بعضهم على استعداد للتنكر لها متى سنحت لهم فرصة أو ألمت بها نكبة، وما كان أكثر احتمالات النكبات عليها في ذلك الزمان([6])".
منذ 2011 كأنهم في سباق محموم، لتفريغ مصر مما بقي من مصريتها، ومن حقوق أولادها فيها، ومن التعريف الحقيقي لكلمة مصري، نشطت الكتابات عن أصول المصريين، ومن أصحاب الحق في مصر أساسا، وادعت أن لكل الأجناس "حق" في مصر- عدا المصريين الحقيقيين أنفسهم-
تزاحمت الأعمال الأدبية والفنية لتحقير كل ما هو مصري أصلي (فلاح)، وبتمجيد كل ما هو أجنبي ودخيل، وصل اليوم المجنسون ومزدوجو الجنسية بسرعة البرق إلى أعلى المناصب في مصر (قادة الثقافة والفكر ومنصب المحافظ على سبيل المثال)، تشجيع المصريين على الهجرة وخفض المواليد مقابل تشجيع الأجانب على القدوم لمصر وتجنيسهم، تحميل الفلاحين مسئولية كافة المصائب والنكبات التي تعرضت لها مصر وتبرئة الأجانب والمحتلين، وعلو الصوت أكثر وأكثر بأن مصر حين يحكمها أجنبي أفضل من مصر حين يحكمها المصري الفلاح، يا ترى ما هو سبب هذه الحمى؟
ولذا كانت البداية بهذا الكتاب... رصد مأخوذ من كتب أساتذتنا، ومن كتب وشهادات المؤرخين القدامى والمعاصرين لكل فترة حرية أو احتلال، لأسباب صعود أو سقوط مصر، وكيف كان حال مصر حقا وهي حرة، وكيف كان حالها تحت الاحتلال، وكيف كان حال مصر حقا وهي مصرية خالصة، وكيف حال مصر وهي "لخبطيطة" مشوهة من ثقافة "كل الأجناس".
وعلى هذا يبدأ الكتاب بما رآه الأجداد أنها الأصول والملامح الحقيقية لمصر، وعقيدتها (ماعت)، بل وسبب خلق مصر من الأساس، ووظيفتها في هذه الحياة، وشروط تحقيق هذه الوظيفة، وعهدها مع الإله، والعقاب المنتظر لأولادها حين تخلو عن هذا العهد، ثم أسباب احتلالها، ودور الهجرات الأجنبية في جلب الاحتلالات، ونتائج كل فترة احتلال واستيطان أجنبي تعرضت لها مصر، وملامح الاحتلال الاستيطاني الجديد الذي وضعه قدمه الأولى بالفعل في مصر مؤخرا، وهو مقسم إلى جزأين:
الجزء الأول: مصر وأحوالها مع الهكسوس منذ الأزل وحتى 1952.
الجزء الثاني: مصر وأحوالها مع الهكسوس منذ 1952 وحتى 2019
لعلَّها وعسى تكون صرخة تنضم لصرخات من سبقونا، توقظنا، قبل أن تُباد مصر إلى الأبد.
وحتى لا يأتي يوم نقول ما ردده جدنا "إيبو ور" بعد فوات الأوان عاضا أصابع الندم وهو يرى مصر في نهاية الأسرة 6 تسقط أمام عينيه، والدم يملأ كل مكان، على يد من فرضوا في مركزية وسيادة الدولة، وعلى يد الأجانب الذين استوطنوا في مصر وقت غفلتها:
"ليتني رفعت صوتي في ذلك الوقت حتى كنت أنقذ نفسي من الألم الذي أنا فيه الآن، فالويل لي، لأن البؤس عمَّ في هذا الزمان"([7]).
وقبل القراءة... لا تفاجئ
هذا الكتاب:
لا يجامل أحدا، لا يجامل أي جنسية أجنبية، لا يجامل أي أصحاب دين، لا يبرر لأي مذهب يتخذه أصحابه وسيلة للسيطرة وسرقة أوطان غيرهم، لا يتحسب لأي لوم إلا إذا كان يختص بدقة المعلومات، لا يبرر لأي عصر أو شخص داس على رقبة الفلاح ليخفي صوت مصر الحقيقي يوما ما.
هذا الكتاب:
لا يصف أي أجنبي حكم مصر إلا بأنه "احتلال" و"اغتصاب" لمصر، أيا كانت لغته أو دينه أو عرقه، فالهكسوسي احتلال، والكوشي والآشوري احتلال، والفارسي احتلال، واليوناني والروماني احتلال، والعربي احتلال، والعبيدي (الفاطمي) والأيوبي والمملوكي والعثمانلي احتلال، والفرنسي والإنجليزي والإسرائيلي احتلال، سواء كان دين هؤلاء غير معروف أو إسلامي أو مسيحي أو يهودي، فكل من هو أجنبي وقدم لمصر ليأخذ حكمها أو مناصبها وثروتها وهويتها ويتكبر على الفلاح وداس عليه، وأصر على أن يحتفظ بأصله الأجنبي ويتفاخر به هو احتلال خبيث.
هذا الكتاب:
حين ينطق كلمة مصري في الكتاب فهي تكون في موضوعين،
إما على لسان المصدر والمرجع الذي ينقل عنه، وهنا التزام بأمانة النقل ويكون معنى مصري على حسب ما يقصد المرجع، كأن يصف مثلا الجبرتي المماليك بأنهم مصريين أو مصرلية، رغم أنهم طبعا ليسوا مصريين.
والموضع الثاني هو على لسان صاحبة الكتاب، وهي لن تعني إلا الفلاح المصري الذي لا يعرف له أصلا إلا أنه ابن مصر، ذلك الباقي يحمل دم وعروق أجداده من آلاف السنين، أو ذاك الذي قدم في عصر من العصور إلى مصر في صحبة احتلال أو غيره، لكن نفض عن نفسه كل أصل أجنبي وكل غبار وافد، ولم يرضَ لنفسه أن يعيش إلا مصريا خالصا، فلاحا، لا يعتز بأي نسب أجنبي يخص بلد ما أو قبيلة أو أي عرق أجنبي، ولا يعين أي احتلال، بل ويقضي عمره لنصرة مصرية مصر، ونصرة بانيها الفلاح، ورفعه فوق رقبة محتليه، هاتفا "مصر للمصريين"... المصريين الحقيقيين.
وأما المقصود في الكتاب بالهكسوس- ومعناها الأجانب في اللغة المصرية- فهو كل ما هو أجنبي لا يناسب هوية مصر، سواء الأجناس أو النظريات والأفكار والعادات والتقاليد الأجنبية، مهما تم تزويقها وتلميعها لتخفي ببريقها الزايف وجه مصر المشرق الحلو الأصيل.. أعذب وجه على الأرض.
كتاب (نكبة توطين الهكسوس) لماذا هذا الكتاب ج1
مقال له صلة :
كتاب (نكبة توطين الهكسوس) لماذا هذا الكتاب ج1
------------------------
([1])- موسوعة مصر القديمة، سليم حسن، الجزء 17، الهيئة العامة للكتاب، مشروع مكتبة الأسرة، 2000، ص 297
0 التعليقات:
إرسال تعليق