كتيرة حوادث التاريخ، في مصر وغيرها، بتدل على إن الغفلة والشهوات، هي أهم وأنجح وسيلة للاحتلال، أنجح من سلاح السيوف والبنادق، وخصوصا شهوات المُلك والجواز من الناس حلوة الشكل أيا كان أصلها، وحتى شهوات الأكل والشرب والتسالي.
موقعة حمص بين المماليك والمغول (المصدر: ويكبيديا نقلا عن رسم يرجع للقرن 14 ومحفوظ في المكتبة الوطنية الفرنسية) |
فمثلا، رغم حروب بيبرس البندقداري مع المغول / التتار، وانتصاره عليهم بالسلاح، إلا إنه كان من اللي مكنوا لدخولهم مصر واستيطانهم فيها بشهواته.
فمن اللي ورد في كتاب "تاريخ دولة المماليك في مصر"، لوليم موير، وهو حصيلة كتابات معاصرة للمماليك زي المقريزي وابن إياس وابن بطوطة وغيرهم، أن بيبرس كان مغرم بالأكل التتري، حتى اتقال إنه بعد انتصاره على المغول في موقعة أبلستين في كليكيا عمل وليمة في دمشق لأمرائه من أكلة "لبن القمر"، وهو "طعام تتاري وكان شديد الشغف به، فأكثر منه فحُم وقضى نحبه بعد أسبوعين".
وإن كان في رواية تانية لسبب موته اتقال إن "القدح الذي شرب منه كان قد دس فيه السم لأمير من الأيوبيين فشرب منه الظاهر ساهيا ناسيا".
"وكان
مغرما بلعبة تتارية تشبه لعبة "التنس" عند الإنكليز وتدعى
"القبق" كان يخصص لها يومين من كل أسبوع"، و"تزوج أربعا من
عقائل التتار- عدا من كن في بيته من الجواري الحسان- فرزق منهن عدة أولاد ذكور
وإثاث".
(الاستيطان باسم مرتزقة "مماليك"، ومسلمين، والجواز)
وبعد
وفاته وتولي المنصور قلاوون الحكم كان من بين مماليكه مغول مع الشراكسة، رغم إنه
دخل في كذا حرب مع المغول، منها معركة حمص، "وفي آخر أيامة تزوج من إحدى بنات
أمير من المغول هام على وجهه حتى حضر إلى مصر كغيره، فولدت له ابنا سمي الناصر".
ويقول
المقريزي في كتابه "السلوك في معرفة دولة الملوك" الجزء الأول- القسم التالت، إنه في عهد المنصور قلاوون حضر لمصر والشام جماعة من قبيلة العويراتية أو
الأويراتية، وهي قبيلة مغولية دخلت في الإسلام، وكان يتزعمها الشيخ علي الأويراتي
اللي ظهرت على إيده "كرامات"، واستقبلهم السلطان و"أحسن إليه ومن
معه، ورتب بعضهم في جملة الخاصكية" ، فدخل
التتار مصر بسهولة بعد ما كان بيتمنعو من دخولها بالسيف.
وتولى
الناصر- ابن المغولية- الحكم بعد وفاة أخوه الخليل ابن قلاوون، وكان عنده 9 سنين،
وتولى الوصاية عليه "كتبغا" من المماليك المغول، ويقول المقريزي:
"فصار كتبغا هو القائم بجميع أمور الدولة، وليس للملك الناصر من السلطة إلا
اسم الملك من غير زيادة على ذلك، وسكن كتبغا بدار النيابة من القلعة".
قبيلة العويراتية بتغزي مصر بالاستيطان بعد فشل الغزو بالسلاح (مصدر الصورة: ويكبيديا) |
ولأن "التاريخ للغفلانين دواير" فمنظر قوافل المغول/التتار وهما بيدخلو مصر ويسيطرو عليها من جواها هو مجرد تكرار لمنظر قوافل الهكسوس لما فشلو يدخلو مصر بالسلاح أيام الأسرة 5 وهزمهم قائد الجيش "وني" وطردهم لجوة بلاد كنعان، لكن نجحو في استيطان مصر وسط ترحاب من حكامها في الأسرة 12 واللي بعدها باسم تجار ولاجئين وأصدقاء وخدم وعرايس، لحد ما احتلو مصر من جواها بعد انتشار الفتن والفساد، وقدرتهم على غزل علاقات قوية مع البيوت صاحبة النفوذ.
رسم لنقش من مقبرة خنوم حتب 2 في بني حسن في المنيا لقبيلة من هكسوس دخلت باسم تجار أو لاجئين ورحب بيهم خنوم (مصدر الصورة: جيتي إيمج) |
(دعم المستوطنين الأجانب لبعضهم للسيطرة على مصر)
ويقول موير إن "كتبغا المغولي كان يشد أزره حزب من بني جنسه، أخذ عدده يزداد بسرعة، وقد سعى الشجاعي ]الوزير[ في نصب الشراك لكتبغا أثناء دخوله القلعة، فأدى ذلك إلى إضرام نار حرب داخلية بينهما كانت نتيجتها أن حاصر كتبغا القلعة وقتل الشجاعي، ولما صفا الجو لكتبغا طمح كرسي السلطنة، فصادق لاجين وغيره ممن اشتركوا في المؤامرة على السلطان لينال بهم وطره، فأثار ذلك غضب أتباع بيت قلاوون لدرجة جعلهم ينحازون إلى الحزب الثائر عليه، وأوقدوا نار الفتنة، ونهبوا الأسواق ودور الحكومة، وعاثوا فسادا في المدينة يوما وليلة، فكانت مسرحا للهياج والدمار، ثم قبضو على بعض الزعماء من أتباع بيت قلاوون وقطعوا أوصالهم، وفر عدد كبير من رجالهم".
"وقد
إتخذ كتبغا هذا الإضطراب وسيلة يتذرع بها إلى القول بأن بقاء مقاليد الأمور في يد
طفل أمر يهدد سلام البلاد، فخلع السلطان الناصر، وأرسل إلى الكرك من أعمال
الشام".
وتسمى بـ
السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري.
وعنه قال المقريزي: "فكانت أيامه شر أيام من الغلاء والوباء وكثرة الموتان"، وإن
مشرف المطبخ السلطاني حين بلغه ركوب كتبغا السلطنة قال: "يا نهار الشوم! إن
هذا نهار نحس".
وزاد
كتبغا في جلب ناس من المغول من بني جنسه عشان يتقوى بيهم ضد بقية المماليك ويحفظ بيهم المُلك اللي مكنش يحلم يوصله بالسهولة دي، ومنهم
قبيلة العويرايتة اللي بدأت استيطان مصر والشام أيام قلاوون، فيقول موير: "ولما
اعتلى كتبغا أريكة عرش مصر سنة 1294 م على هذا الشكل، أدى به ضعفه وقصر نظره أن
ملأ مراكز الحكومة بأتباعه وأذنابه، ورقى كثيرا من مماليكه إلى مرتبة الأمراء،
فصرف ذلك عنه قلوب الأمراء الأقدمين.
"وكان من سوء حظه كذلك أن رحب بطائفة
العويراتية، وهم قبيلة من همج التتار يبلغ عدد أسرها 18000 ألف، طردوا من بلاد
الفرس، وأنزلهم هو وقتئذ في بلاد سورية، ومع أنهم دخلوا تدريجيا في الدين الإسلامي
فإن الناس أبغضوهم لطبائعهم الوثنية وخاصة أكلهم لحوم الخيل، وقد أصاب كتبغا نفسه نصيب من المعرة بانتسابه لهذا الجنس"، بحسب تعبير ورد في كتاب موير.
وبحسب المقريزي فإن اللي وفد على مصر من طائفة العويراتية في عهد كتبغا كان بيقودهم طرغاي
]زوج بنت
هولاكو[ كلاجئين هربانين
من غازان ملك التتار، واستقبلهم الأمراء من مصر والشام و"احتفلوا لقدومهم
احتفالا زائدا"، ولما وصلوا القاهرة :" بالغ السلطان في إكرامهم
والإحسان إليهم، وأقر عدة منهم، وبقوا على كفرهم، ودخل شهر رمضان فلم يصم منهم
أحد، وصاروا يأكلون الخيل من غير ذبحها، بل يُربط الفرس ويُضرب على وجهه حتى يموت
فيؤكل، فأنف الأمراء من جلوسهم معهم بباب القلة في الخدمة، وعظم على الناس
إكرامهم، وتزايد بعضهم في السلطان، وانطلقت الألسنة بذمه ]حتى أوجب ذلك خلع السلطان فيما بعد[ وبعض الأويراتية نزلوا في بلاد الشام.
ولعبت
الشهوات دورها في استيطان التتار في مصر والشام، فيقول المقريزي: "وكثُرت
الرغبة فيهم لجمالهم، وتزوج الناس ببناتهم، وتنافس الأمراء والأجناد وغيرهم في
صبيانهم وبناتهم، ]ثم انغمس من
بقي منهم في العساكر[ فتفرقوا في
الممالك، ودخلوا في الإسلام، واختلطوا بأهل البلاد".
وعن
الأحوال أيام حكم كتبغا حكى المقريزي: "وفي مدته نزل بالبلاد قحط استمر زمنا
طويلا، وأعقبه وباء، فنتج عنهما بطبيعة الحال بؤس وشقاء وخسارة كانت التبعة فيها
واقعة على السلطان".
وحسب
إحصاء المقريزي وصل عدد المتوفين في شهر واحد 127 ألف إنسان "وعجز الناس عن
مواراة الأموات في القبور لكثرتهم، وقلة من يحفر لهم، فعُملت حفائر كبار ألقيت
فيها الأموات من الرجال والنساء والصبيان حتى تمتلئ الحفرة، ثم تُعلم بالتراب،
وانتَدب أناس لحمل الأموات ورميهم في الحفر، فكانوا يأخذون عن كل ميت نصف درهم،
فيحمله ويلقيه إما في حفرة أو في النيل إن كان قريبا منه، وصارت الولاة بالقاهرة
ومصر تحمل الأموات في شباك على الجمال، ويعلقون الميت بيديه ورجليه من الجانبين،
ويُرمى في الحفر بالكيمان من غير غسل ولا كفن، ورُمي كثير من الأموات في الآبار
حتى تملأ ثم تردم، ومات كثير من الناس بأطراف البلاد فبقى على الطرقات حتى أكلته
الكلاب، وأكل كثيرامنها بنو آدم أيضا"، و"عظم الموتان في أعمال مصر كلها
حتى خلت القرى".
والوباء كان عالمي، ما يخصش مصر وحدها، انتشر في مصر وسوريا وأوروبا، لكن إهمال المماليك وانشغالهم بحروب القتل والغدر ببعضهم والاستيلاء على الحكم خلاهم يهملو في بعض الأوقات مشاريع الري والزراعة، أو يهتمو بمحاربة الأمراض، خصوصا في القرى.
وانتهى
الأمر بكتبغا أنه لما رجع من جولة في الشام إلى مصر "وجد أن لاجين قد مكن
لنفسه في البلاد وأُعلن سلطانا عليها، فأذعن له وأشهد على نفسه بالخلع، ثم حلف
يمين الطاعة له"، بحسب المقريزي وموير.
(وقوف المستوطنين الأجانب ضد اللي ينافسهم على احتلال مصر)
ولما
اتقتل لاجين وتولى مكانه الناصر قلاوون (لما رجعوه للحكم بعد خلعه) زحف جيش
السلطان لمعركة جديدة ضد المغول في 1299 م، فوقف ضده زعماء قبيلة العويراتية اللي
كان جلبهم كتبغا المغولي، وتآمروا مع المماليك الناقمين على الناصر قلاوون
لاغتياله ووزرائه وإعادة صاحبهم كتبغا إلى عرش مصر، فكانت هذه المؤامرة سببا في
تأخر زحف الجيش أيضا، وقد لقى المؤتمرون جزاء فعلتهم"، واستمرت المعارك بين
المماليك والمغول في كذا جولة بعدها رغم إن المغول انضمو لدين الإسلام.
وهكذا..
اللي فشل في احتلال مصر والشام بالسيف نجح في احتلالهم وحكمهم بالاستيطان
باسم لاجئ، تاجر، مرتزق (مملوك)، عريس أو
عروسة، راجل دين له كرامات، ويتحول المستوطنين إلى "طابور خامس"، مهمته
بيورثها لأولاده هو الاستحواذ على الحكم أو أكبر نصيب من النفوذ، حتى وإن دخلو في
نفس دين أصحاب البلد.
(طبايع الشعوب مش بتتغير)
ومن شواهد التاريخ، فإن العدوات مش بتموت،
والأطماع مش بتموت، وطبايع الشعوب مش بتتغير مهما اتغير دينها.
فدخول
الرومان في المسيحية ما منعهمش من الاستمرار في مشاريع الغزو والتوسع والاحتلالات-
رغم إن المسيحية بتدعو للسلام مش للحرب- بل استغلو المسيحية كسلاح لتجييش الناس
بحجة "نصرة الصليب".
ودخول سكان الجزيرة العربية والشام في الإسلام
ما منعهمش من استمرار الحروب القبلية والأهلية وعشق السيطرة على خيرات الغير بداية
من حروب الصحابة لحد إنهاردة- رغم إن الإسلام بيدعو للإخاء- بل استغلو الإسلام
للاستمرار في الفتوحات والتوسع لضمها للي اتسمى بـ"أرض الإسلام".
نفس الأمر
بالنسبة للمغول أو التتار والترك، فدخول شعوب آسيا الوسطى للإسلام ما منعهومش من
شهوة القتال ومهنة المرتزقة كمماليك أو غيره، وعشق اغتصاب أرض وخيرات الشعوب
التانية، سوا كانت مسلمة أو مش مسلمة، وسوا كان السيطرة على بلاد غيرهم بالسلاح أو
بالدحلبة والتسلسل والاستيطان والمتاجرة بالإسلام.
وده من الحاجات اللي اتفسر مثلا ليه كل الحروب
والأزمات اللي حصلت في أفغانستان وباكستان والشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو،
دلوقت سوريا وليبيا فيها إيدين وميليشيات تركية/ مغولية من دولة تركيا ومن بلاد
آسيا الوسطى أو من الإيغور اللي ساكنين إقليم شينجيانج "تركستان
الشرقية" في غرب الصين باسم محاربة الحكومات "الكافرة"، و
"نصرة الإسلام".
وليه كان
في توطين لألبان في مصر أيام حروب البوسنة والهرسك وكوسوفو تحت اسم "اغث أخيك
المسلم الألباني"، أو"استر عرض أختك المسلمة"، وحاليا رجع المغول
باسم تاني بهدف توطين الإيغور اللي جايين من غرب الصين تحت اسم "طلاب
الأزهر"، وتحت اسم "اغثيوا أخوانكم مسلمي الإيغور من ظلم حكومة الصين
الكافرة".
إيغوري على قناة الجزيرة يبتز مصر لتوطين الإيغور |
أو تحت عنوان "دعم اللاجئين"، والقيام بالواجب الإنساني بضغوط من التنظيمات الدولية.
تويتة من صوفي ريتشاردسون باسم "هيومان رايتس" تطالب مصر بالسماح بإقامة الطلبة الإيغور فيها |
هو هو نفس عشق القتل والدم ونهب واستيطان أرض
الغير.
وربنا
ينور بصيرة الجميع.
_________________________
بقلم:
إفتكار البنداري السيد (نفرتاري أحمس)
_________________________
مقالات ليها علاقة:
*****************************
مراجع:
- كتاب
"السلوك لمعرفة دول الملوك"، تقي الدين المقريزي، الجزء الأول، القسم
التالت، تحقيق محمد مصطفى زيادة، (المعلومات متاخد من ص 708- 709 و807- 815)
- كتاب
"تاريخ دولة المماليك في مصر" السير وليم موير، مكتبة مدبولي (المعلومات
متاخد من ص 58- 79)
0 التعليقات:
إرسال تعليق