اتهام الاحتلال للمصريين بإنهم عنصريين ومتعصبين وبيكرهو الأجانب تهمة قديمة، من نوع الإرهاب الفكري للمصريين اللي بيطالبو بإنه تكون "مصر للمصريين".
المؤرخ الكبير والمناضل عبد الرحمن الرافعي (مصدر الصورة: https://commons.wikimedia.org/) |
من أقدم ظهور ليها مع بداية رجوع مبدأ "مصر للمصريين" للروح في ثورة 1881 أيام أحمد عرابي وعبد الله النديم، لأن الثورة- التي كانت أول من أحيا هذا المبدأ بعد طول غياب تحت ركام الاحتلالات- كان ضمن دعواتها تشجيع الصناعة المصرية، وتمصير الاقتصاد اللي مستولي عليه المستوطنين الأجانب، وإلغاء الامتيازات الأجنبية، وتحسين أحوال الجيش، وإنهاء التميز الشركسي والأجنبي على المصريين في الجيش وكل الوظائف.
وقفة أحمد عرابي وجيش الفلاحين في وجه الخديوي توفيق وبقية المستوطنين الأجانب 1881 |
أهل البنوكا والأطيان
صاروا على الأعيان أعيان
وابن البلد ماشي عريانما معاه ولا حق الدخان
شرم برم حالي غلبان
شرم برم حالي غلبان
عبد الله النديم أحد حملة راية "مصر للمصريين" |
وخلال السنة اليتيمة اللي شارك فيها قادة ثورة 1881 في الحكومة كافحت مصر سنة قصاد مخططات روتشيلد وشركاه والقناصل الأجانب والخديوي توفيق والترك والشراكسة والمستوطنين الأجانب من كل جنس؛ فأصدرت في سنة واحدة قوانين حسنت أحوال الجنود والظباط المصريين في الجيش والموظفين المصريين، وجهزت لتقليل عدد الأجانب في الحكومة، ومحاربة الامتيازات الأجنبية، وتمصير القضاء، وجهزت لتأسيس بنك مصري يحمي الفلاحين من المرابين شعاره "مساعدة الفلاح ورفع فاحش الربا عنه"، وتأسست "الجمعية الصناعية المصرية".
وعمل عبد الله النديم في جرنان "التنكيت والتبكيت" حملة "لا تلبس إلا من صنع بلادك"، وجهز الشيخ محمد عبده والنديم مشروع لتعميم التعليم، ووصف برودلي (محامي عرابي في المحاكمة) في كتابه "كيف دافعنا عن عرابي وصحبه" إن "برنامج الإصلاح الخاص بالثورة لم يكن أقل من برامج الإصلاح الأوروبي كفاءة"(1).
وكانت مطالب جديدة لانج إنه يطالب بيها الفلاحين وقتها بعد ما ظن الأجانب إنهم بقو جثة ما تصلحش غير لشغل السخرة، واتعرفت بين المصريين والأجانب بإنها ثورة "مصر للمصريين".
"مصر للمصريين" شعار ومبدأ ثورات التحرير |
واشتدت الصحافة الأجنبية جوة مصر أو برة في اتهام المصريين اللي مشيو ورا عرابي بـ"التعصب"، "الخونة"، "العصابة"، واحتفلو بالغزو الإنجليزي لمصر.
واحتفلو بالعقوبات اللي طالت اللي شاركو في ثورة 1881 سوا بالقتل أو النفي والتشريد أو الرفد من الشغل أو الحبس.
(في الصورة جرنان الأهرام بيحتفل بالغزو الإنجليزي ويشمت في عرابي وهو كان وقتها ماسكه الشوام الأخوان تكلا، وكانو من أكتر من حارب "مصر للمصريين").
ورغم الإرهاب اللي حصل لثورة 1881 إلا إنه رجع صوت "مصر للمصريين" يعلى على إيد مصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهم من وطنيين خالصين؛ فطاردهم مندوب الاحتلال البريطاني كرومر والمستوطنين الأجانب بنفس الإرهاب بكلمة "التعصب" و"التطرف" و"كراهية الأجانب" لأنهم طالبو بـ"الجلاء" وتشجيع الصناعة المصرية، وتشجيع الصناعة المصرية، وتحسين التعليم المصري بروح مصرية بعيد عن مناهج وسموم المستشارين الإنجليز في وزارة المعارف، حتى إن مندوب الاحتلال البريطاني "كرومر" اتهم المصريين جنب تهمة "التعصب" بإنهم "ناكرين للجميل"، يعني "جميل" الاحتلال عليهم حسب رأيه (2).
لكن مصطفى كامل وفريد مسكتوش..
فقال مصطفى في خطبة 22-7-1907 "أيها السادة.. يروق لبعض الجهلاء والمسخرين لخدمة الإنجليز أن يلقبونا "بالمتطرفين" ويقسموا الأمة فرقا وأقساما، وما دروا أنه لا يصح أن يوجد في البلاد الفاقدة استقلالها، المتحكم فيها الأجنبي إلا حزب واحد، هو حزب الوطن.
ويكمل مصطفى:"نُلقب بالمتطرفين! ولماذا؟ لأننا نطالب بحقوق مصر واستقلالها!"، "متطرفون ! لأننا نعلن ثقتنا الكاملة بمستقبل بلادنا، ونقول لهذه الأمة في الصباح والمساء: اليوم عسر وغدا يسر، ومن منكم لا يفخر بأنه متطرف، وأيكم لا يريد أن يكون سائر المصريين متطرفين؟ (3)
وظن الأجانب إنه بوفاة مصطفى كامل ووجود فريد برة مصر إنه انتهت ثورة المصريين.
إلا إنهم فوجئو بثورة 1919 بترفع بدورها راية "مصر للمصريين" في كل مكان في مصر، فحاول المحتلين يحاصروها بنفس الإرهاب بوصف سعد زغلول واللي بيطالبو بالجلاء بإنهم "متطرفين" واللي بيقبلو الاحتلال ب"المعتدلين".
سعد زغلول وثورة 1919 "مصر للمصريين" |
ومن أبلغ الردود على تهمة الأجانب للمصريين بالعنصرية والتعصب لتمسكهم بمبدأ "مصر للمصريين"، رد المؤرخ والمناضل الكبير عبد الرحمن الرافعي، تلميذ مصطفى كامل في الحزب الوطني، وعضو مجلس الشيوخ، لما كتب في كتابه "في أعقاب الثورة المصرية: ثورة 1919" اللي نشره 1949، يرد على الأجانب ويقول فيما معناه: إيوة إحنا متعصبين لبلدنا، وده شيء فريضة علينا، ما هياش تهمة ننكرها ولا نتكسف منها.
ومن اللي قاله بالنص:
"ومن أول واجبات المواطن أن يشجع كل ما هو مصري من المنتجات الزراعية والصناعية والتجارية؛ لأن هذا التشجيع هو عنوان الوطنية، فلا يشتري إلا من صانع مصري، أو تاجر مصري، ولا يأكل إلا طعاما مصريا، ولا يلبس إلا ملابس مصرية، ولا ينزل إلا في فندق مصري، ولا يجلس إلا في مقهى مصري".
وأن "هذه دعوة قد يتأولها بعضنا بأنها دعوة إلى التعصب الوطني، وأنا أقول: فلتكن تعصبا وطنيا، فإن الوطن أحوج ما يكون إلى التعصب له من أبنائه، ومهما قيل عن هذه الدعوة فإنها هي الحقيقة الواقعة لدى الشعوب التي تحتذيها في الوطنية والتقدم" (4).
وكان رأيه إن تحرير مصر بدايته تحرير اقتصادها وتشجيع العامل المصري.
وما انتهتش، ولا هتنتهي، وصف المصريين اللي متمسكين بوصية الأجداد "وصية حور" بإنه تكون كيمة للكيمتيين "مصر للمصريين"، بإنهم عنصريين أو أي تهمة تانية، لأن من عادة الاحتلال لأنه باطل، تصوير الحق على إنه باطل، وتصوير الباطل على إنه حق، وهيفضل كدة ليوم الدين، مفيش فايدة إنه يتغير.
لكن المحك، ووسيلة هزيمته الوحيدة، هي إن المصريين أصحاب الحق، يتمسكو بحقهم
رغم أي ضغوط
وأي تزوير للتاريخ والحاضر
ورغم أي تهديد
يتمسكو بحقهم التاريخي في إن "مصر للمصريين"
والمصريين الحقيقيين
مش اللي ليهم ولاء بأي شكل من الأشكال برة الحدود.
وزي ما قالها عبد الله النديم:
ليكن المجموع رجلا واحدا، يسعى خلف شيء واحد، وهو أن تكون "مصر للمصريين".
وقالها أحمد لطفي السيد:
إن مصريتنا تقضي أن يكون وطننا هو قبلتنا، وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب لوطن غيره.
أحمد لطفي السيد واحد من حملة راية "مصر لمصريين" |
**********************
مقالة باللغة المصرية الشعبية، بقلم : إفتكار السيد (نفرتاري أحمس)_______________
مقالات مرتبطة:
- وصية حور..وثيقة العهد لحماية مصر من الاحتلال، كيف نسيناها؟ (أقدم نشيد وطني لمصر)
- ليه توطين اللاجئين نكبة وخطيئة ؟
- مين ضد "مصر للمصريين" ومين مع "مصر لمن غلب"؟
- تحميل كتاب نكبة توطين الهكسوس
- مين ضد "مصر للمصريين" ومين مع "مصر لمن غلب"؟
- تحميل كتاب نكبة توطين الهكسوس
________________
المراجع:
(1)- نكبة توطين الهكسوس (النكبة المصرية) ج1، إصدار أول، نشر إلكتروني، القاهرة، 2019،، ص 486)
(2)- راجع كتاب "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية"، عبد الرحمن الرافعي، دار المعارف، ط5، القاهرة، 1984، ص 214- 222
(3)- نفس المرجع، ص في 475- 476
(4)- في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919، ج2، عبد الرحمن الرافعي، دار المعارف، ط3، القاهرة، 1988، ص 336- 337
0 التعليقات:
إرسال تعليق